- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
أنواع الحساب وأمثلة لهذه الأنواع
الجمعة 28 أغسطس 2009, 01:49
أنواع الحساب وأمثلة لهذه الأنواع
المطلب الأول
أنواع الحساب
يتفاوت حساب العباد ، فبعض العباد يكون حسابهم عسيراً وهؤلاء هم الكفرة
المجرمون الذين أشركوا بالله ما لمن ينزل به سلطاناً ، وتمردوا على شرع
الله ، وكذبوا بالرسل ، وبعض عصاة الموحدين قد يطول حسابهم ويعسر بسبب
كثرة الذنوب وعظمـها .
وبعض العباد يدخلون الجنة بغير حساب ، وهم فئة قليلة لا يجاوزون السبعين
ألفاً ، وهم الصفوة من هذه الأمة ، والقمم الشامخة في الإيمان والتقى
والصلاح والجهاد ، وسيأتي ذكرهم وصفتهم عند الحديث عن أهل الجنة وبعض
العباد يحاسبون حساباً يسيراً ، وهؤلاء لا يناقشون الحساب ، أي لا يدقق ،
ولا يحقق معهم ، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم ثم يتجاوز لهم عنها .
وهذا معنى قوله تبارك وتعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِيَمِينِهِ- فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) [الانشقاق : 7-8] ،
ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ، فقلت : يا رسول الله ، أليس قد قال
الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ- فَسَوْفَ
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) [الانشقاق : 7-8] ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة
إلا هلك " (1) .
قال النووي في شرحه للحديث : " معنى نوقش الحساب : استقصي عليه . قال
القاضي : وقوله : ( عذب ) له معنيان : أحدهما : أن نفس المناقشة وعرض
الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ . والثاني : أنه مفض
إلى العذاب بالنار ويؤيده قوله في الرواية الأخرى : ( هلك ) مكان ( عذب )
هذا كلام القاضي .
قال النووي : وهذا الثاني هو الصحيح ، ومعناه أن التقصير غالب في العباد
فمن استقصي عليه ، ولم يسامح هلك ، ودخل النار ، ولكن الله تعالى يعفو
ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء " (2) .
ونقل ابن حجر عن القرطبي في معنى قوله : " إنما ذلك العرض " قال : " إن
الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف
منَّة الله عليه في سترها عليه في الدنيا ، وفي عفوه عنها في الآخرة " (3)
.
والمراد بالعرض – كما هو ظاهر من هذه الأحاديث – عرض ذنوب المؤمنين عليهم، كي يدركوا مدى نعمة الله عليهم في غفرانها لهم .
المطلب الثاني
أمثلة هذه الأنواع
ورد في السنة النبوية مشاهد للمناقشة والعرض والمعاتبة التي تكون من الله
لعباده ، وسنسوق لكل واحد من هذه الأنواع الثلاثة مشهداً مما صح في السنة .
1- مناقشة المرائين :
روى مسلم والترمذي والنسائي عن شفي بن ماتع الأصبحي رحمه الله أنه دخل
المدينة ، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : " من هذا ؟ فقالوا :
أبو هريرة ، فدنوت منه ، حتى قعدت بين يديه ، وهو يحدث الناس ، فلما سكت
وخلا ، قلت له : أسألك بحق وحق ، لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته ، فقال أبو هريرة : أفعل ، لأحدثنك
حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عقلته وعلمته ، ثم نشغ أبو
هريرة نشغة ، فمكثنا قليلاً ، ثم أفاق ، فقال : لأحدثنك حديثاً حدثنيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما معنا أحدٌ غيري وغيره ،
ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ، ثم أفاق ومسح عن وجهه ، وقال : أفعل،
لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنا وهو في هذا
البيت ، ما معنا أحدٌ غيري وغيره ، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ، ثم مال
خاراً على وجهه ، فأسندته طويلاًً ، ثم أفاق ، فقال : حدثني رسول الله صلى
الله عليه وسلم : أن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي
بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل
الله ، ورجلٌ كثير المال ، فيقول الله للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على
رسولي ؟ قال : بلى ، يا رب ، قال : فماذا عملت فما علمت ؟ قال : كنت أقوم
به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة :
كذبت ، ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، وقد قيل ذلك .
ويؤتى بصحاب المال فيقول الله : ألم أوسع عليك ، حتى لم أدعك تحتاج إلى
أحد ؟ قال : بلى ، يا رب ، قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل
الرحم ، وأتصدق ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ،
ويقول الله : بل أردت أن يقال : فلان جواد ، فقيل ذلك .
ثم يؤتى بالذي قتل في سبيل الله ، فيقول الله : في ماذا قتلت ؟ فيقول :
أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلت حتى قتلت ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول
له الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال : فلان جريء ، فقد قيل
ذلك . ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي ، فقال : يا أبا
هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " .
قال الوليد أبو عثمان المدائني : فأخبرني عقبة بن مسلم : أن شفياً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا .
قال أبو عثمان : وحدثني العلاء بن أبي حكيم : " أنه كان سيافاً لمعاوية ،
فدخل عليه رجل ، فأخبره بهذا عن أبي هريرة ، فقال معاوية : قد فعل بهؤلاء
هكذا ، فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً ، حتى ظننا
أنه هالك ، وقلنا : قد جاء هذا الرجل بشر ، ثم أفاق معاوية ، ومسح عن وجهه
، وقال : صدق الله ورسوله : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ
يُبْخَسُونَ - أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ ) [هود : 15-16] . أخرجه الترمذي .
وفي رواية مسلم والنسائي عن سليمان بن يسار : قال : " تفرق الناس عن أبي
هريرة، فقال له ناتل أخو أهل الشام : أيها الشيخ حدثني حديثاً سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه : رجل استشهد ، فأتي به ،
فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت
، فقال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : جريء فقد قيل ، ثم أمر به ، فسحب
على وجهه ، حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ،
فأوتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم
وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنه تعلمت العلم ليقال عالمٌ
، وقرأت القرآن ليقال : هو قارئ ، فقد قيل ، ثم أمر به ، فسحب على وجهه،
حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال كله ،
فأتي به فعرفه بنعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من
سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال :
هو جواد ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار " .
2- عرض الرب ذنوب عبده عليه :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : " إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ، ويستره ، فيقول :
أتعرف ذنب كذا ، أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب . حتى إذا قرره بذنوبه
، ورأى في نفسه أنه هلك ، قال : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك
اليوم ، فيعطى كتاب حسناته . وأما الكافرون والمنافقون فيقول الأشهاد : (
هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ ) [ هود : 18 ] (4) .
قال القرطبي في قوله : " فيضع عليه كنفه " أي : ستره ولطفه وإكرامه ،
فيخاطب خطاب ملاطفة ، ويناجيه مناجاة المصافاة والمحادثة ، فيقول له : هل
تعرف ؟ فيقول : رب أعرف ، فيقول الله ممتناً عليه ، ومظهراً فضله لديه :
فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، أي لم أفضحك بها فيها ، وأنا أغفرها لك
اليوم (5) .
3- معاتبة الرب عبده فيما وقع منه من تقصير :
وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن معاتبة الرب لعبده يوم القيامة ،
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا ابن آدم ، مرضت فلم
تعدني .
قال : يا رب كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين ؟
قال : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟
يا ابن آدم ، استطعمتك فلم تطعمني ؟
قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أنه استطعمتك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟
يا ابن آدم ، استسقتيك فلم تسقني ؟
قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟
قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ؟ أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي ؟ " (6) .
--------------------------------
(1) صحيح الجامع ، كتاب الرقاق ، باب من نوقش الحساب
عذب ، فتح الباري : (11/400) ، وصحيح مسلم : (4/2204) ، ورقمه : 2876 ،
واللفظ للبخاري .
(2) النووي على شرح مسلم : (17/208) .
(3) فتح الباري : (11/402) .
(4) صحيح البخاري ، كتاب المظالم ، باب قوله تعالى : ( ألا لعنة الله على
الظالمين ) ، فتح الباري : (5/96) ، وصحيح مسلم : (4/2120) ، ورقمه : 2768
.
(5) تذكرة القرطبي : 263 .
(6) مشكاة المصابيح : (1/486) ، ورقم الحديث : 1528 .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى