- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
معركة حطين
الثلاثاء 25 أغسطس 2009, 03:15
يعتقد بعض الناس أن معركة حطين نهاية الفرنج في المنطقة
، والحقيقة أنها بداية النهاية ، إذ استمرت الحروب بعدها قرابة القرن
انتهت أخيراً باقتلاع الممالك الإفرنجية من ساحل الشام وفلسطين ، فحطين لم
تحطم ممالك الفرنج ولم تقض عليها نهائياً ، بل أسست بداية جديدة لموازين
القوى ، وأكدت أن قوة الفرنج يمكن أن تقهر ، فقد كانت معركة فاصلة بين
حدين ، أي أنها ختمت مرحلة التراجع والهزائم وأسست مرحلة الانتصارات
والتقدم .
لقد بدأ صلاح الدين بداية حكمه مصر عام 564 هـ ، وأول مواجهة جدية كانت له
مع الصليبيين هي حطين وذلك عام 583هـ ، وبين هذين التاريخين مناوشات
محدودة مع الصليبيين ، فصلاح الدين لم يستل سيفه منذ اليوم الأول وبدأ
هجومه المعاكس على الممالك الإفرنجية بل أخذ وقته في الإعداد والتنظيم
والدراسة والمراقبة وتفحص مواقع القوة والضعف .
بدأ فيها تثبيت الأوضاع في مصر ، وأسقط فيها الدولة الفاطمية فيها ، وأقام
الخطبة والحكم للخلافة العباسية ، فلما توفي نور الدين سنة 568هـ بدأ صلاح
الدين ببلاد الشام ليضمها تحت إمرته ففتح دمشق وحمص وحلب وحماة وحلب
وغيرها ، وفتح اليمن ، وأمن الطريق للحجاج إلى مكة والمدينة ، وأسقط
المكوس ، ونشر العدل ، وأعد الجيوش ، حتى كانت المعركة الفاصلة في حطين ،
فماذا جرى في حطين ؟
قال ابن كثير : ( برز السلطان من دمشق يوم السبت مستهل محرم في جيشه ،
فسار إلى رأس الماء فنزل ولده الأفضل هناك في طائفة من الجيش ، وتقدم
السلطان ببقية الجيش إلى بصرى فخيم على قصر أبي سلام ، ينتظر قدوم الحجاج
ليسلموا من معرة برنس الكرك ، فلما جاز الحجيج سالمين سار السلطان فنزل
على الكرك وقطع ما حوله من الأشجار ، ورعى الزرع وأكلوا الثمار ، وجاءت
العساكر المصرية وتوافت الجيوش المشرقية ، فنزلوا عند السلطان على رأس
الماء ، وبعث الأفضل سرية نحو بلاد الفرنج فقتلت وغنمت وسلمت ورجعت ، فبشر
بمقدمات الفتح والنصر .
وجاء السلطان بجحافله فالتفت عليه جميع العساكر ، فرتب الجيوش وسار قاصداً
بلاد الساحل ، وكان جملة من معه من المقاتلة اثني عشر ألفاً غير المتطوعة
، فتسامعت الفرنج بقدومه فاجتمعوا كلهم وتصالحوا فيما بينهم ، وصالح قومس
طرابلس وبرنس الكرك الفاجر ، وجاءوا بحدهم وحديدهم ، واستصحبوا معهم صليب
الصلبوت يحمله منهم عباد الطاغوت وضلال الناسوت ، في خلق لا يعلم عدتهم
إلا الله عز وجل ، يقال :كانوا خمسين ألفاً ، وقيل : ثلاثاً وستين ألفاً ،
وقد خوفهم صاحب طرابلس من المسلمين فاعترض عليه البرنس صاحب الكرك ، فقال
له : لا أشك أنك تحب المسلمين وتخوفنا كثرتهم ، وسترى غب ما أقول لك ،
فتقدموا نحو المسلمين .
وأقبل السلطان ففتح طبرية و تقوى بما فيها من الأطعمة والأمتعة وغير ذلك ،
وتحصنت منه القلعة فلم يعبأ بها ، وحاز البحيرة في حوزته ومنع الله الكفرة
أن يصلوا منها إلى قطرة ، حتى صاروا في عطش عظيم ، فبرز السلطان إلى سطح
الجبل الغربي من طبرية عند قرية يقال لها حطين ، التي يقال إن فيها قبر
شعيب عليه الصلاة والسلام ، وجاء العدو المخذول ، وكان فيهم صاحب عكا وكفر
نكا وصاحب الناصرة وصاحب صور وغير ذلك من جميع ملوكهم ، فتواجه الفريقان
وتقابل الجيشان ، وأسفر وجه الإيمان واغبر وأقتم وأظلم وجه الكفر والطغيان
، ودائرة دائرة السوء على عبدة الصلبان ، وذلك عشية يوم الجمعة ، فبات
الناس على مصافهم .
وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يوماً عسيراً على أهل الأحد وذلك لخمس بقين
من ربيع الآخر ، فطلعت الشمس على وجوه الفرنج واشتد الحر وقوي بهم العطش ،
وكان تحت أقدام خيولهم حشيش قد صار هشيماً ، وكان ذلك عليهم مشؤوماً ،
فأمر السلطان النفاطة أن يرموه بالنفط ، فرموه فتأجج ناراً تحت سنابك
خيولهم ، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق
النبال ، وتبارز الشجعان ، ثم أمر السلطان بالتكبير والحمل الصادقة فحملوا
وكان النصر من الله عز وجل ، فمنحهم الله أكتافهم فقتل منهم ثلاثون ألفاً
في ذلك اليوم ، وأسر ثلاثون ألفاً من شجعانهم وفرسانهم ، وكان في جملة من
أسر جميع ملوكهم سوى قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة ، واستلبهم
السلطان صليبهم الأعظم ، وهو الذي يزعمون أنه صلب عليه المصلوب ، وقد
غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز
الإسلام وأهله ، ودمغ الباطل وأهله ، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم
يقود نيفاً وثلاثين أسيراً من الفرنج ، وقد ربطهم بطنب خيمة ، وباع بعضهم
أسيراً بنعل ليلبسها في رجله ، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن
الصحابة والتابعين ، فلله الحمد دائماً كثيراً طيباً مباركاً ).
هذا وقد كان البرنس أرناط البيزنطي صاحب الكرك كان قد نذر أنه إن ظفر به
قتله ، وذلك أنه كان عبر به قافلة راجعة من الديار المصرية في حالة الصلح
بينه وبين المسلمين ، فنزلوا عنده بالأمان فغدر بهم وقتلهم ، فناشدوه الله
والصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي صلى الله
عليه وسلم وقال : قولوا لمحمدكم يخلصكم ، وبلغ السلطان فحمله الدين
والحمية على أنه نذر إن ظفر به قتله .
قال ابن كثير : ( فلما تمت هذه الوقعة ووضعت الحرب أوزارها أمر السلطان
بضرب مخيم عظيم ، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه أسرة وعن يساره
مثلها ، وجيء بالأسارى تتهادى بقيودها ، فأمر بضرب أعناق جماعة من مقدمي
الداوية – الداوية :فرقة دينية عسكرية شديدة البأس – صبراً ، ولم يترك
أحداً منهم ممن كان يذكر الناس عنه شراً .
ثم جيء بملوكهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم ، فأجلس ملكهم الكبير
عن يمينه ، وأجلس أرناط برنس الكرك وبقيتهم عن شماله ، ثم جيء إلى السلطان
بشراب من الجلاب مثلوجاً ، فشرب ثم ناول الملك فشرب ، ثم ناول أرناط صاحب
الكرك فغضب السلطان وقال له : إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه ، هذا لا
عهد له عندي ، ثم تحول السلطان إلى خيمة داخل تلك الخيمة واستدعى بأرناط
صاحب الكرك ، فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف ودعاه إلى الإسلام
فامتنع ، فقال له : نعم أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الانتصار لأمته ، ثم قتله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة ، وقال :
إن هذا تعرض لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قتل السلطان جميع من
كان من الأسارى من الداوية والاسبتارية – الاسبتارية كالداوية :فرقة دينية
عسكرية شديدة البأس – صبراً وأراح المسلمين من هذين الجنسين الخبيثين .
ولم يسلم ممن عرض عليه الإسلام إلا القليل ، فيقال إنه بلغت القتلى ثلاثين
ألفاً ، والأسارى كذلك كانوا ثلاثين ألفاً ، وكان جملة جيشهم ثلاثة وستين
ألفاً ، وكان من سلم مع قلتهم وهرب أكثرهم جرحى فماتوا ببلادهم ، وممن مات
كذلك قومس طرابلس ، فإنه انهزم جريحاً فمات بها بعد مرجعه ، ثم أرسل
السلطان برؤوس أعيان الفرنج ومن لم يقتل من رؤوسهم ، وبصليب الصلبوت إلى
دمشق ليودعوا في قلعتها ، فدخل بالصليب منكوساً وكان يوماً مشهوداً .
ثم سار السلطان إلى قلعة طبريا فأخذها ، ثم سار السلطان إلى حطين فزار قبر
شعيب ، ثم ارتفع منه إلى إقليم الأردن ، فقسم تلك البلاد كلها ، ثم سار
إلى عكا ، فنزل عليها يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخر ، فافتتحها صلحاً يوم
الجمعة ، وأخذ ما كان بها من حواصل الملوك وأموالهم وذخائرهم ومتاجر
وغيرها ، واستنقذ من كان بها من أسرى المسلمين ، فوجد فيها أربعة آلاف
أسير ، وأمر بإقامة الجمعة بها ، وكانت أول جمعة أقيمت بالساحل بعد أخذه
الفرنج نحواً من سبعين سنة ، ثم سار منها إلى صيدا وبيروت وتلك النواحي من
السواحل يأخذها بلداً بلداً ، لخلوها من المقاتلة والملوك ، ثم رجع سائراً
نحو غزة وعسقلان ونابلس وبيسان وأراضي الغور، فملك ذلك كله ، وكان من جملة
ما افتتحه السلطان في هذه المدة القريبة خمسين بلداً كباراً كل بلد له
مقاتلة وقلعة ومنعة ، وغنم الجيش والمسلمون من هذه الأماكن شيئاً كثيراً ،
وسبوا خلقاً .
وذكر محمد بن القادسي أنه ورد كتاب إلى بغداد في وصف هذه الوقعة فيه : (
.. واستغنى عسكر الإسلام من الأسرى والأموال والغنائم بحيث لا يقدر أحد
يصف ذلك ، وما سلم من عسكر الفرنج سوى قمّص طرابلس مع أربعة نفر ، وهو
مجروح ثلاث جراحات – مات بعدها بقليل – وأخذ جميع أمراء الفرنج ، وكم قد
سبي من النساء والأطفال ، يباع الرجل وزوجته وأولاده ثلاث بين وابنتان
بثمانين ديناراً .. وأخذ من البقر والغنم والخيل والبغال مالم يجيء من
يشتريها من كثرة السبي والغنائم ) .
، والحقيقة أنها بداية النهاية ، إذ استمرت الحروب بعدها قرابة القرن
انتهت أخيراً باقتلاع الممالك الإفرنجية من ساحل الشام وفلسطين ، فحطين لم
تحطم ممالك الفرنج ولم تقض عليها نهائياً ، بل أسست بداية جديدة لموازين
القوى ، وأكدت أن قوة الفرنج يمكن أن تقهر ، فقد كانت معركة فاصلة بين
حدين ، أي أنها ختمت مرحلة التراجع والهزائم وأسست مرحلة الانتصارات
والتقدم .
لقد بدأ صلاح الدين بداية حكمه مصر عام 564 هـ ، وأول مواجهة جدية كانت له
مع الصليبيين هي حطين وذلك عام 583هـ ، وبين هذين التاريخين مناوشات
محدودة مع الصليبيين ، فصلاح الدين لم يستل سيفه منذ اليوم الأول وبدأ
هجومه المعاكس على الممالك الإفرنجية بل أخذ وقته في الإعداد والتنظيم
والدراسة والمراقبة وتفحص مواقع القوة والضعف .
بدأ فيها تثبيت الأوضاع في مصر ، وأسقط فيها الدولة الفاطمية فيها ، وأقام
الخطبة والحكم للخلافة العباسية ، فلما توفي نور الدين سنة 568هـ بدأ صلاح
الدين ببلاد الشام ليضمها تحت إمرته ففتح دمشق وحمص وحلب وحماة وحلب
وغيرها ، وفتح اليمن ، وأمن الطريق للحجاج إلى مكة والمدينة ، وأسقط
المكوس ، ونشر العدل ، وأعد الجيوش ، حتى كانت المعركة الفاصلة في حطين ،
فماذا جرى في حطين ؟
قال ابن كثير : ( برز السلطان من دمشق يوم السبت مستهل محرم في جيشه ،
فسار إلى رأس الماء فنزل ولده الأفضل هناك في طائفة من الجيش ، وتقدم
السلطان ببقية الجيش إلى بصرى فخيم على قصر أبي سلام ، ينتظر قدوم الحجاج
ليسلموا من معرة برنس الكرك ، فلما جاز الحجيج سالمين سار السلطان فنزل
على الكرك وقطع ما حوله من الأشجار ، ورعى الزرع وأكلوا الثمار ، وجاءت
العساكر المصرية وتوافت الجيوش المشرقية ، فنزلوا عند السلطان على رأس
الماء ، وبعث الأفضل سرية نحو بلاد الفرنج فقتلت وغنمت وسلمت ورجعت ، فبشر
بمقدمات الفتح والنصر .
وجاء السلطان بجحافله فالتفت عليه جميع العساكر ، فرتب الجيوش وسار قاصداً
بلاد الساحل ، وكان جملة من معه من المقاتلة اثني عشر ألفاً غير المتطوعة
، فتسامعت الفرنج بقدومه فاجتمعوا كلهم وتصالحوا فيما بينهم ، وصالح قومس
طرابلس وبرنس الكرك الفاجر ، وجاءوا بحدهم وحديدهم ، واستصحبوا معهم صليب
الصلبوت يحمله منهم عباد الطاغوت وضلال الناسوت ، في خلق لا يعلم عدتهم
إلا الله عز وجل ، يقال :كانوا خمسين ألفاً ، وقيل : ثلاثاً وستين ألفاً ،
وقد خوفهم صاحب طرابلس من المسلمين فاعترض عليه البرنس صاحب الكرك ، فقال
له : لا أشك أنك تحب المسلمين وتخوفنا كثرتهم ، وسترى غب ما أقول لك ،
فتقدموا نحو المسلمين .
وأقبل السلطان ففتح طبرية و تقوى بما فيها من الأطعمة والأمتعة وغير ذلك ،
وتحصنت منه القلعة فلم يعبأ بها ، وحاز البحيرة في حوزته ومنع الله الكفرة
أن يصلوا منها إلى قطرة ، حتى صاروا في عطش عظيم ، فبرز السلطان إلى سطح
الجبل الغربي من طبرية عند قرية يقال لها حطين ، التي يقال إن فيها قبر
شعيب عليه الصلاة والسلام ، وجاء العدو المخذول ، وكان فيهم صاحب عكا وكفر
نكا وصاحب الناصرة وصاحب صور وغير ذلك من جميع ملوكهم ، فتواجه الفريقان
وتقابل الجيشان ، وأسفر وجه الإيمان واغبر وأقتم وأظلم وجه الكفر والطغيان
، ودائرة دائرة السوء على عبدة الصلبان ، وذلك عشية يوم الجمعة ، فبات
الناس على مصافهم .
وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يوماً عسيراً على أهل الأحد وذلك لخمس بقين
من ربيع الآخر ، فطلعت الشمس على وجوه الفرنج واشتد الحر وقوي بهم العطش ،
وكان تحت أقدام خيولهم حشيش قد صار هشيماً ، وكان ذلك عليهم مشؤوماً ،
فأمر السلطان النفاطة أن يرموه بالنفط ، فرموه فتأجج ناراً تحت سنابك
خيولهم ، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق
النبال ، وتبارز الشجعان ، ثم أمر السلطان بالتكبير والحمل الصادقة فحملوا
وكان النصر من الله عز وجل ، فمنحهم الله أكتافهم فقتل منهم ثلاثون ألفاً
في ذلك اليوم ، وأسر ثلاثون ألفاً من شجعانهم وفرسانهم ، وكان في جملة من
أسر جميع ملوكهم سوى قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة ، واستلبهم
السلطان صليبهم الأعظم ، وهو الذي يزعمون أنه صلب عليه المصلوب ، وقد
غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز
الإسلام وأهله ، ودمغ الباطل وأهله ، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم
يقود نيفاً وثلاثين أسيراً من الفرنج ، وقد ربطهم بطنب خيمة ، وباع بعضهم
أسيراً بنعل ليلبسها في رجله ، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن
الصحابة والتابعين ، فلله الحمد دائماً كثيراً طيباً مباركاً ).
هذا وقد كان البرنس أرناط البيزنطي صاحب الكرك كان قد نذر أنه إن ظفر به
قتله ، وذلك أنه كان عبر به قافلة راجعة من الديار المصرية في حالة الصلح
بينه وبين المسلمين ، فنزلوا عنده بالأمان فغدر بهم وقتلهم ، فناشدوه الله
والصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي صلى الله
عليه وسلم وقال : قولوا لمحمدكم يخلصكم ، وبلغ السلطان فحمله الدين
والحمية على أنه نذر إن ظفر به قتله .
قال ابن كثير : ( فلما تمت هذه الوقعة ووضعت الحرب أوزارها أمر السلطان
بضرب مخيم عظيم ، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه أسرة وعن يساره
مثلها ، وجيء بالأسارى تتهادى بقيودها ، فأمر بضرب أعناق جماعة من مقدمي
الداوية – الداوية :فرقة دينية عسكرية شديدة البأس – صبراً ، ولم يترك
أحداً منهم ممن كان يذكر الناس عنه شراً .
ثم جيء بملوكهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم ، فأجلس ملكهم الكبير
عن يمينه ، وأجلس أرناط برنس الكرك وبقيتهم عن شماله ، ثم جيء إلى السلطان
بشراب من الجلاب مثلوجاً ، فشرب ثم ناول الملك فشرب ، ثم ناول أرناط صاحب
الكرك فغضب السلطان وقال له : إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه ، هذا لا
عهد له عندي ، ثم تحول السلطان إلى خيمة داخل تلك الخيمة واستدعى بأرناط
صاحب الكرك ، فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف ودعاه إلى الإسلام
فامتنع ، فقال له : نعم أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الانتصار لأمته ، ثم قتله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة ، وقال :
إن هذا تعرض لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قتل السلطان جميع من
كان من الأسارى من الداوية والاسبتارية – الاسبتارية كالداوية :فرقة دينية
عسكرية شديدة البأس – صبراً وأراح المسلمين من هذين الجنسين الخبيثين .
ولم يسلم ممن عرض عليه الإسلام إلا القليل ، فيقال إنه بلغت القتلى ثلاثين
ألفاً ، والأسارى كذلك كانوا ثلاثين ألفاً ، وكان جملة جيشهم ثلاثة وستين
ألفاً ، وكان من سلم مع قلتهم وهرب أكثرهم جرحى فماتوا ببلادهم ، وممن مات
كذلك قومس طرابلس ، فإنه انهزم جريحاً فمات بها بعد مرجعه ، ثم أرسل
السلطان برؤوس أعيان الفرنج ومن لم يقتل من رؤوسهم ، وبصليب الصلبوت إلى
دمشق ليودعوا في قلعتها ، فدخل بالصليب منكوساً وكان يوماً مشهوداً .
ثم سار السلطان إلى قلعة طبريا فأخذها ، ثم سار السلطان إلى حطين فزار قبر
شعيب ، ثم ارتفع منه إلى إقليم الأردن ، فقسم تلك البلاد كلها ، ثم سار
إلى عكا ، فنزل عليها يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخر ، فافتتحها صلحاً يوم
الجمعة ، وأخذ ما كان بها من حواصل الملوك وأموالهم وذخائرهم ومتاجر
وغيرها ، واستنقذ من كان بها من أسرى المسلمين ، فوجد فيها أربعة آلاف
أسير ، وأمر بإقامة الجمعة بها ، وكانت أول جمعة أقيمت بالساحل بعد أخذه
الفرنج نحواً من سبعين سنة ، ثم سار منها إلى صيدا وبيروت وتلك النواحي من
السواحل يأخذها بلداً بلداً ، لخلوها من المقاتلة والملوك ، ثم رجع سائراً
نحو غزة وعسقلان ونابلس وبيسان وأراضي الغور، فملك ذلك كله ، وكان من جملة
ما افتتحه السلطان في هذه المدة القريبة خمسين بلداً كباراً كل بلد له
مقاتلة وقلعة ومنعة ، وغنم الجيش والمسلمون من هذه الأماكن شيئاً كثيراً ،
وسبوا خلقاً .
وذكر محمد بن القادسي أنه ورد كتاب إلى بغداد في وصف هذه الوقعة فيه : (
.. واستغنى عسكر الإسلام من الأسرى والأموال والغنائم بحيث لا يقدر أحد
يصف ذلك ، وما سلم من عسكر الفرنج سوى قمّص طرابلس مع أربعة نفر ، وهو
مجروح ثلاث جراحات – مات بعدها بقليل – وأخذ جميع أمراء الفرنج ، وكم قد
سبي من النساء والأطفال ، يباع الرجل وزوجته وأولاده ثلاث بين وابنتان
بثمانين ديناراً .. وأخذ من البقر والغنم والخيل والبغال مالم يجيء من
يشتريها من كثرة السبي والغنائم ) .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى