صرخة جيل

صرخة جيل

تعلمنا ونحن صغار ان
العمل سر النجاح.حفظنا هذه الجملة حتى قبل ادراك ماهية النجاح ولا تدوق
طعمه.ظللنا نعمل بجد ,كما نصحونا,وكلنا امل اننا سننجح يوما.

قيل لنا ان اول خطوة
لتحقيق النجاح هي الاستيقاض من الاحلام ,فتركنا مضطرين احلامنا الصغيرة
ولُعبنا الجميلة لنلتحق بالكبار حتى قبل الاوان.انخرطنا في منعطفات
اعتبرناها ,على مضض, طريق النجاح الوعرة.استغربنا ونحن نشاهد على التلفاز
اطفالا بشعر اشقر يمرحون مع ابائهم وامهاتهم في سعادة غامرة.تذكرنا صراخ
ابائنا وضربهم لنا ادا وُجدنا يوما نلعب في الحديقة المجاورة.ضحكات هؤلاء
الصبية تتجاوز محيطهم لتغزو بيوتنا الكئيبة.صغار وصغيرات بثياب نظيفة
يلعبون في حدائق واسعة تختلف عن حديقتنا المجاورة التي يرمي فيها الجيران
قاذوراتهم حينما يحل الظلام.تعجبنا من منظر هؤلاء الاطفال الى درجة ان
اذهاننا الضيقة أخبرتنا ان هؤلاء البشر قادمين من المستقبل ولا وجود لهم
في عصرنا هذا.

قال لنا المعلم يوما ان
بلوغ النجاح هو سر السعادة في الحياة.وان النجاح في الحياة يبدأ بالنجاح
في المدرسة.احسسنا بتلعتمه وارتباك لسانه وهو يخبرنا بذلك.لم نكن نفهم
لماذا كان دائم الصراخ والسب لنا بسبب او بغير سبب.لماذا لم تكن السعادة
بادية على محياه ؟ الم يقل لنا ان النجاح هو سر السعادة ؟ لقد نجح في
دراسته لكنه لم يسعد بذلك,على الاقل في حضرتنا.

واصلنا سهر الليالي
وحفضنا دروس الروم والفرس والمغول حيت كسرى وسابور وبطليموس وجانكيس
خان.تلعتمنا كثيرا قبل نطق اسمائهم الغريبة .حفظنا انجازاتهم واخفاقاتهم
املا في تحقيق انجازات لنا.قيل لنا ان التاريخ اساس الحاضر والمستقبل.وان
اهمية التاريخ تتجلى في الاستفادة من دروسه وعبره.فلم نكن نفهم لمادا كان
يبدوا لنا تاريخ العرب كالسقوط من قمة جبل شاهق الى سفح سحيق.انجازات في
الماضي و ضياع في الحاضر وضبابية في المستقبل.الم تتحقق اهداف هذا الكم
الكبير من دروس التاريخ ؟

اخدنا شواهدنا الاولى
فكنا سعداء بذلك.سعادة لم تبدوا على وجوه ابائنا وأمهاتنا الذين لم يحدث
ان سالوا عن مستوياتنا ولا عن فصولنا.تحملنا عدم اكثراتهم وواصنا المسير
رغم الصعاب.حصلنا على سلسلة من الشواهد.فهمنا الدروس لكننا لم نفهم لماذا
كانت صدورنا تزداد ضيقا كلما حصلنا على شواهد اكبر.سافرنا من مدننا
البعيدة الى العاصمة متأبطين شواهدنا لتقديم طلبات العمل,لنفاجئ بصفوف
طويلة جدا.شباب وشابات يتدافعون امام مكتب صغير كتب على بابه "ممنوع
الدخول".من نافدته يطل رجل بدين لا يكف عن سب هؤلاء المتدافعين ونهرهم .

قدمنا طلباتنا بعد عناء
وعدنا لبيوتنا في انتظار موعد الامتحان.ضللنا سنوات ونحن نقدم طلباتنا ولا
نستلم اجوبة عنها.يبدوا انهم نسونا بعد هذه السنوات الطويلة.انزوينا في
ركن مظلم من حينا البئيس نقضي هناك جل اوقاتنا في انتظار ان تجود علينا
الايام بأي شيئ.اكثر اصدقائنا حظا طلبوا منهم اجتياز امتحان تم نسوهم كما
نسونا قبلهم.

فهمنا بعد سنوات طويلة
ان العمل عندنا لم يكن يوما سرا مضمونا للنجاح وان للنجاح عندنا طعم مختلف
عن الشعوب الاخرى.امتعضنا ونحن نتذكر كلام معلمينا عن النجاح في
المدرسة.فهمنا أخيرا لماذا كان هؤلاء المدرسين يتلعتمون في قول ذلك. كل
هذا بعد فوات الأوان.أدركنا بعد سنوات من الكد والجهد كم كنا مغفلين
بتصديقهم وتكذيب احساسنا.

فبعد صراع مع طواحين الهواء علمنا انه مهما عملنا فلن يعطونا الا ما بقي عن أبنائهم ورضوا لنا به.