ثانوية ساردو عبد القادر برج بونعامة الونشريس

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثانوية ساردو عبد القادر برج بونعامة الونشريس
ثانوية ساردو عبد القادر برج بونعامة الونشريس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
youyou17
youyou17
ذكر
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009

القواعد التي يحاسب العباد على أساسها Empty القواعد التي يحاسب العباد على أساسها

الجمعة 28 أغسطس 2009, 02:13

[size=16]القواعد التي يحاسب العباد على أساسها

لو عذَّب الله جميع خلقه لم يكن ظالماً لهم ، لأنهم عبيده ، وملكه ، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء .

ولكن الحق تبارك وتعالى يحاكم عباده محاكمة عادلة ، لم تشهد البشرية لها
مثيلاً من قبل ، وقد بين لنا ربنا في كثير من النصوص جملة القواعد التي
تقوم عليها المحاكمة والمحاسبة في ذلك اليوم .

وسنذكر من ذلك ما ظهر لنا من تلك القواعد .

1- العدل التام الذي لا يشوبه ظلم :

يُوَفِّي الحقُّ – عز وجل – عباده يوم القيامة أجورهم كاملة غير منقوصة ،
ولا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل ( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ
نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) [ البقرة : 281 ] .

وقال لقمان في وصيته لابنه معرفاً إياه بعدل الله : ( يَا بُنَيَّ
إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ
أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ
اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) [ لقمان : 16 ] .

وقال الحق في موضع آخر : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )
[ النساء : 40 ] ، وقال : ( وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ
تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) [ النساء : 77 ] . وقال : ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [ النساء: 124 ] .

وقال تعالى : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [ الزلزلة : 7-8 ] ، فقد أخبر
الحق تبارك وتعالى في هذه النصوص أنه يُوفِّي كل عبدٍ عمله، وأنه لا يضيع
منه ، ولا ينقص منه مقدار الذرة ، وهي الهباءة التي في أشعة الشمس إذا
دخلت من الطاق ، ولا مقدار الفتيل ولا النقير ، والفتيل هو الخيط الذي
يكون في شق النواة ، والنقير : النقرة الصغيرة التي تكون في ظهر النواة .

2- لا يؤخذ أحد بجريرة غيره :

قاعدة الحساب والجزاء التي تمثل قمة العدل ومنتهاه أن الله يجازي العباد
بأعمالهم ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ولا يحمل الحق تبارك وتعالى
أحداً وزر غيره ، كما قال تعالى : ( وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ
عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم
مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [
الأنعام : 164 ] . وهذا هو العدل الذي لا عدل فوقه ، فالمهتدي يقطف ثمار
هدايته ، والضال ضلاله على نفسه ، ( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي
لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً ) [ الإسراء : 15 ] .

وهذه القاعدة العظيمة إحدى الشرائع التي اتفقت الرسالات السماوية على
تقريرها ، قال تعالى : ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى -
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى - أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
- وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى - وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ
يُرَى - ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى ) [ النجم : 36-41 ] .

يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ) [ الأنعام : 164 ] " أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ، لا تؤخذ نفس
بذنب غيرها ، بل كل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها ، وأصل الوزر الثقل
، ومنه قوله تعالى : ( وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ) [الشرح : 2] ، وهو
هنا الذنب ، .. والآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يقول : اتبعوا
سبيلي أحمل أوزاركم ، ذكره ابن عباس ، وقيل : إنها نزلت رداً على العرب في
الجاهلية من مؤاخذة الرجل بأبيه وابنه ، وبجريرة حليفه " (1) .

الذين يجمعون أثقالاً مع أثقالهم :

قد يعارض بعض أهل العلم هذا الذي ذكرناه من أن الإنسان لا يحمل شيئاً من
أوزار الآخرين بمثل قوله تعالى : ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ
وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ) [ العنكبوت : 13] ، وقوله : ( وَمِنْ
أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [ النحل : 25 ] .

وهذا الذي ذكروه موافق لما ذكرناه من النصوص ، وليس بمعارض لها ، فإن هذه
النصوص تدل على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب ، وإثم الذين أضلهم
بقوله وفعله ، كما أن دعاة الهدى ينالون أجر ما عملوه ، ومثل أجر من اهتدى
بهديهم ، واستفاد بعلمهم ، فإضلال هؤلاء لغيرهم هو فعل لهم يعاقبون عليه
(2) .

3- إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال :

من إعذار الله لخلقه ، وعدله في عباده أن يطلعهم على ما قدموه من صالح
أعمالهم وطالحها ، حتى يحكموا على أنفسهم ، فلا يكون لهم بعد ذلك عذر .

قال تعالى : ( إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [المائدة : 105] ، وقال : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ
نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ
تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ) [ آل عمران :
30 ] ، وقال : ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) [ الانفطار
: 5 ] ، وقال : ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ
رَبُّكَ أَحَدًا ) [ الكهف : 49 ] .

وإطلاع العباد على ما قدموه يكون بإعطائهم صحائف أعمالهم ، وقراءتهم لها ،
فقد أخبرنا ربنا – تبارك وتعالى – أنه وكل بكل واحد منا ملكين يسجلان عليه
صالح أعماله وطالحها ، فإذا مات ختم على كتابه ، فإذا كان يوم القيامة
أعطى العبد كتابه ، وقيل له : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً .

قال تعالى : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا -
اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) [
الإسراء : 13-14] .

وهو كتاب شامل لجميع الأعمال كبيرها وصغيرها ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ
فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا
وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا
كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [ الكهف : 49 ] .

4- مضاعفة الحسنات دون السيئات :

ومن رحمته أن يضاعف أجر الأعمال الصالحة ( إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) [ التغابن : 17 ] .

وأقل ما تضاعف به الحسنة عشرة أضعاف ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ
عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) [الأنعام : 160] . أما السيئة فلا تجزى إلا مثلها (
وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ) [ الأنعام :
160 ] . وهذا مقتضى عدله تبارك وتعالى .

وقد روى الحاكم في مستدركه ، وأحمد في مسنده بإسناد حسن عن أبي ذر رضي
الله عنه قال : حدثنا الصادق المصدوق فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه
قال : " الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد .. والسيئة واحدة أو أغفرها ، ولو
لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي ، لقيتك بقرابها مغفرة " (3) .

ومن الأعمال التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تضاعف عشرة أضعاف
قراءة القرآن ، ففي الحديث الذي يرويه الترمذي والدارمي بإسناد صحيح عن
ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفاً من
كتاب الله ، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها . لا أقول : ( الم ) حرف .
ألف حرف . ولا حرف . وميم حـرف " وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . غريب
إسناداً (4) .


youyou17
youyou17
ذكر
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009

القواعد التي يحاسب العباد على أساسها Empty رد: القواعد التي يحاسب العباد على أساسها

الجمعة 28 أغسطس 2009, 02:13
وأخبرنا رسولنا صلوات الله وسلامه عليه أيضاً أن الذكر يضاعف عشرة أضعاف ،
ففي سنن الترمذي والنسائي وأبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي
الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خصلتان – أو خلتان لا
يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة ، وهما يسيرٌ ، ومن يعمل بهما قليل : يسبح
الله في دبر كل صلاة عشراً ، ويحمده عشراً ، ويكبره عشراً ، فلقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده ، قال : فلك خمسون ومائة
باللسان ، وألف وخمسمائة في الميزان ، وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره
وتحمده مائة ، فتلك مائة باللسان ، وألف في الميزان ، فأيكم يعمل في اليوم
والليلة ألفين وخمسمائة سيئة ؟ قالوا : فكيف لا نحصيها ؟ قال : يأتي أحدكم
الشيطان وهو في صلاته ، فيقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، حتى ينفتل ، فلعله
لا يفعل ، ويأتيه وهو في مضجعه ، فلا يزال ينومه حتى ينام " ، أخرجه
الترمذي والنسائي .

وفي رواية أبي داود بعد قوله : " في الميزان " الأولى ، قال : " ويكبر
أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثاً وثلاثين ، ويسبح ثلاثاً
وثلاثين ، فذلك مائة باللسان ، وألف في الميزان ، فلقد رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعقدها بيده .

قالوا : يا رسول الله ، كيف هما يسيرٌ ، ومن يعمل بهما قليل ؟ قال : يأتي
أحدكم الشيطان في منامه ، فينومه قبل أن يقوله ، ويأتيه في صلاته فيذكره
حاجته قبل أن يقولـها " (5) .

وحدثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء الذي يرويه البخاري
وغيره تردده صلى الله عليه وسلم بين ربه وموسى ، حيث كان يشير عليه موسى
في كل مرة أن يرجع إلى ربه ، فيسأله أن يخفف عنه من الصلاة ، حتى أصبحت
خمساً بعد أن كانت خمسين .. قال في ختام ذلك : " قال الجبار تبارك وتعالى
: إنه لا يبدل القول ، كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشرة
أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك ، فرجع إلى موسى . فقال
: كيف فعلت ؟ قال : خففت عنا ، أعطانا بكل حسنة عشرة أمثالها " .

وقد يضاعفها أكثر من ذلك ، وقد تصل المضاعفة إلى سبعمائة ضعف ، وأكثر من
ذلك ، ومن ذلك أجر المنفق في سبيل الله ، قال تعالى : ( مَّثَلُ الَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ
لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [ البقرة : 261 ] ، قال ابن كثير
: هذا مثل ضربه الله لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته ،
وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. فقال : ( مَّثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) [ البقرة : 261
] قال سعيد بن جبير : " يعني في طاعة الله " . وقال مكحول : يعني به
الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك . وعن ابن عباس :
الجهاد والحج يضعف الدرهم فيها إلى سبعمائة ضعف " (6) .

وأورد ابن كثير عند تفسير هذه الآية الحديث الذي يرويه مسلم والنسائي
وأحمد عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتأتين يوم القيامة بسبعمائة
مخطومة " هذا لفظ أحمد والنسائي . ولفظ مسلم : جاء رجل بناقة مخطومة ،
فقال : يا رسول الله . هذه في سبيل الله ، فقال : " لك بها يوم القيامة
سبعمائة ناقة " (7) .

وأما الأعمال التي تضاعف أضعافاً لا تدخل تحت حصر ، ولا يحصيها إلا الذي
يجزى بها : الصوم ، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي
هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل عمل ابن آدم
يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : " إلا
الصوم فإنه لي : وأنا أجزي به " (Cool .

والسر في كون الصائم يعطى من غير تقدير ، أن الصوم من الصبر ، والصابرون
يوفون أجورهم بغير حساب ، قال تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ الزمر : 10 ] ، قال القرطبي : " وقال أهل
العلم : كل أجر يكال كيلاً ، ويوزن وزناً إلا الصوم ، فإنه يحثى ويغرف
غرفا " (9) .

ومن الصبر : الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها وكربها التي يبتلي الله بها
عباده ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ
مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ -
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) [ البقرة : 155-157 ] .

وعندما يرى أهل العافية عظم أجر الصابرين يتمنون أن تكون جلودهم قرضت
بالمقاريض لينالوا أجر الصابرين ، ففي سنن الترمذي عن جابر ، ومعجم
الطبراني عن ابن عباس بإسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
ليودَّن أهل العافية يوم القيامة ، أن جلودهم قرضت بالمقاريض ، مما يرون
من ثواب أهل البلاء " (10) .

ومن فضل الله تبارك وتعالى أن المؤمن الذي يهم بفعل الحسنة ، ولكنه لا
يفعلها تكتب له حسنة تامة ، والذي يهم بفعل السيئة ، ثم تدركه مخافة الله
، فيتركها تكتب له حسنة تامة ، ففي صحيح البخاري ، عن ابن عباس رضي الله
عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ، قال : "
إن الله كتب الحسنات والسيئات ، ثم بيَّن ذلك ، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها
، كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له
عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، ومن همَّ بسيئة فلم
يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هو همَّ بها ، فعملها ، كتبها
الله له سيئة واحدة " (11) .

تبديل السيئات حسنات :

وتبلغ رحمة الله بعباده وفضله عليهم أن يبدِّل سيئاتهم حسنات ، ففي الحديث
الذي يرويه مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة ، وآخر أهل النار خروجاً
منها . رجل يؤتى به يوم القيامة . فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيقال
: عملت يوم كذا وكذا ، وعملت يوم كذا وكذا ، كذا وكذا .

فيقول نعم : لا يستطيع أن ينكر . وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه .

فيقال له : فإن لك مكانا كل سيئة حسنة .

فيقول : رب ، عملت أشياء لا أراها ها هنا " .

فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه (12) .

5- إقامة الشهود على الكفرة والمنافقين :

أعظم الشهداء في يوم المعاد على العباد هو ربهم وخالقهم وفاطرهم ، الذي لا
تخفى عليه خافية من أحوالهم ، قال تعالى : ( وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ
عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) [ يونس
: 61 ] ، وقال : ( إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا )
[النساء : 33] .

ولكن الله يحب الإعذار على خلقه ، فيبعث من مخلوقاته شهداء على المكذبين
الجاحدين حتى لا يكون لهم عذر ، وقد أشارت أكثر من آية إلى الشهداء الذين
يشهدون على العباد ، كقوله تعالى : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَادُ ) [ غافر : 51 ] ، وقوله تعالى : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاء ) [الزمر :69] .

وأول من يشهد على الأمم رسلها ، فيشهد كل رسول على أمته بالبلاغ ، (
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى
هَؤُلاء شَهِيدًا ) [ النساء : 41 ] ، ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ
أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا
عَلَى هَؤُلاء ) [النحل: 89] .

وقوله : ( شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) ، هم الرسل ، لأن كل
أمة رسولها منها ، كما قال تعالى : ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ
أَنفُسِكُمْ ) [ التوبة : 128 ] وقال تعالى : ( وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ
أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) [ القصص : 75 ] .

وكما يشهدون على أممهم بالبلاغ يشهدون عليهم بالتكذيب ، ( يَوْمَ يَجْمَعُ
اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا
إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) [المائدة : 109] ، وقال: (
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ
الْمُرْسَلِينَ - فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا
غَآئِبِينَ ) [الأعراف : 6-7] .

قال ابن كثير في تفسير الآية الأولى : " هذا إخبار عما يخاطب الله به
المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلوا إليهم ، ...
وقول الرسل : ( لا علم لنا ) قال مجاهد والحسن البصري والسدي : إنما قالوا
ذلك من هول ذلك اليوم .. وقال ابن عباس : لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به
منا ، رواه ابن جرير ثم اختاره ، ولا شك أنه قول حسن ، وهو من باب التأدب
مع الله عز وجل ، أي لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شيء ، فنحن
وإن كنا أجبنا وعرفنا ما أجبنا ، ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره لا
علم لنا بباطنه ، وأنت العليم بكل شيء ، المطلع على كل شيء ، فعلمنا
بالنسبة إلى علمك كلا شيء " (13) .

ثم إن الأمم تكذب رسلها ، وتقول كل أمة ما جاءنا من نذير ، فتأتي هذه
الأمة : أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد للرسل بالبلاغ ، كما قال تعالى
: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) [البقرة :
143] .

وقد أورد البخاري في صحيحه في كتاب التفسير الحديث الذي رواه أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح
يوم القيامة ، لبيك وسعديك يا رب ، فيقول : هل بلغت ؟ فيقول : نعم ، فيقال
لأمته : " هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير . فيقول : من يشهد لك ؟
فيقول : محمد وأمته . فيشهدون أنه قد بلغ ، ويكون الرسول عليكم شهيداً ،
فذلك قوله جل ذكره : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا ) [البقرة : 143] " (14) .

وقد أفاد ابن حجر أنه قد جاء الحديث عند أحمد والنسائي وابن ماجة بلفظ : "
يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ، ويجيء النبي ومعه الرجلان ، ويجيء
النبي ومعه أكثر من ذلك . قال : فيقال لهم : أبلغكم هذا ؟ فيقولون : لا ،
فيقال للنبي : أبلغتهم ؟ فيقول: نعم ، فيقال له : من يشهد لك ؟ .. "
الحديث . وذكر ابن حجر أيضاً أن في بعض روايات الحديث زيادة : " فيقال ما
علمكم ؟ فيقولون : أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه " (15) .

ومن الأشهاد الأرض والأيام والليالي ، تشهد بما عمل فيها وعليها ، ويشهد
المال على صاحبه ، وقد عقد القرطبي في تذكرته لهذا الموضوع باباً ، وذكر
فيه حديث الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال قرأ رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذه الآية ( يومئذٍ تحدث أخبارها ) [ الزلزلة : 4 ] . قال
: " أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل يوم كذا ، كذا وكذا ، فهذه أخبارها " .

قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .

ويشهد على العبد أيضاً ملائكة الرحمن الذين كانوا يسجلون عليه صالح أعماله
وطالحها ، كما قال تعالى : ( وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ
وَشَهِيدٌ ) [ق : 21] ، والسائق والشهيد الملكان اللذان كانا موكلين بتلك
النفس .

وتشهد الملائكة على العباد بما كانوا يعملون ، ( وَيَقُولُ الأَشْهَادُ
هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ ) [ هود : 18 ] ، فإذا لج
العبد في الخصومة ، وكذب ربه ، وكذب الشهود الذين شهدوا عليه ، أقام الله
عليه شاهداً منه ، فتشهد على المرء أعضاؤه ، وقد مضى بيان هذا .

--------------------------------

(1) تفسير القرطبي: (4/157) .

(2) توسع أ . د . عمر الأشقر في بحث هذه المسألة في كتابه ( مقاصد المكلفين ) .

(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، ورقم الحديث : 128 .

(4) مشكاة المصابيح : (1/661) رقم الحديث : 2137 .

(5) جامع الأصول : (4/372) . رقم الحديث : 2148 .

(6) تفسير ابن كثير : (1/561) .

(7) تفسير ابن كثير : (1/562) .

(Cool مشكاة المصابيح : (1/613) ، ورقمه : 1959 . وهو في صحيح مسلم ، ورقمه
: 1151 ورواه البخاري في مواضع : 1894 ، 1904 ، 5927 . واللفظ لمسلم .

(9) تفسير القرطبي : (15/240) .

(10) صحيح الجامع الصغير : (5/111) ، ورقم الحديث : 5360 .

(11) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب من هم بحسنة أو سيئة ، فتح الباري : (11/323) .

(12) صحيح مسلم : (1/177) . ورقم الحديث : 190 .

(13) تفسير ابن كثير : (2/676) .

(14) صحيح البخاري : (4487) ، كتاب التفسير : (8/171) .

(15) فتح الباري : (8/172) .
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى