- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
أبو ذر الغفاري
الثلاثاء 25 أغسطس 2009, 15:20
هو جندب بن جنادة من غفار ، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق ، فأهلها
مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ، انهم حلفاء الليل ، والويل لمن يقع
في أيدي أحد من غفار ... ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها بدأ
من أبي ذر -رضي الله عنه- ، فهو ذو بصيرة ، و ممن يتألهون في الجاهلية
ويتمردون على عبادة الأصنام ، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم ، فما
أن سمع عن الدين الجديد حتى شد الرحال الى مكة ...
اسلامه
ودخل أبو ذر -رضي الله عنه- مكة متنكرا ، يتسمع الى أخبار أهلها والدين
الجديد ، حتى وجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صباح أحد الأيام جالسا ،
فاقترب منه وقال نعمت صباحا يا أخا العرب ) ... فأجاب الرسول وعليك
السلام يا أخاه ) ... قال أبوذر أنشدني مما تقول ) ... فأجاب الرسول
ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم ) ... قال أبوذر اقرأ علي ) ...
فقرأ عليه وهو يصغي، ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر أشهد أن لا
اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) ... وسأله النبي -صلى الله
عليه وسلم- ممن أنت يا أخا العرب ) ... فأجابه أبوذر من غفار ) ...
وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، واكتسى وجهه
بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف سر العجب في وجه الرسول الكريم ،
فهو من قبيلة غفار ... أفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! ... وقال الرسول -صلى
الله عليه وسلم- ان الله يهدي من يشاء ) ... أسلم أبو ذر من فوره ،
وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى
للاسلام ...
تمرده على الباطل
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول -صلى الله
عليه وسلم- فور اسلامه بسؤال يا رسول الله ، بم تأمرني ؟) ... فأجابه
الرسول ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ) ... فقال أبو ذر والذي نفسي
بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد ) ... هنالك دخل المسجد الحرام
ونادى بأعلى صوته أشهد أن لا اله الا الله ... وأشهد أن محمدا رسول
الله ) ... كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ، من رجل غريب ليس له في
مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ، وأنقذه العباس
عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ، فقد تقطع عليهم
طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ، ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو
ذر -رضي الله عنه- امرأتين تطوفان بالصنمين ( أساف ونائلة ) وتدعوانهما ،
فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ،
فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح -رضي الله عنه- مرة أخرى أشهد
أن لا اله الا الله ... وأشهد أن محمدا رسول الله ) ...
اسلام غفار
ويعود -رضي الله عنه- الى قبيلته ، فيحدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه
بالاسلام ، ثم يتوجه الى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها الى الحق وتسلم ، ومضت
الأيام وهاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى المدينة ، واذا بموكب كبير
يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- أقبل ومعه قبيلتي
غفار و أسلم ، فازداد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عجبا ودهشة ، ونظر
اليهم وقال غفار غفر الله له ... وأسلم سالمها الله ) ... وأبو ذر كان
له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال ماأقلت الغبراء ، ولا أظلت
الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر ) ...
غزوة تبوك
وفي غزوة تبوك سنة 9 هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول -صلى الله
عليه وسلم- وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم
فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره )
... فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه
الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ) ... وفي الغداة ، وضع
المسلمون رحالهم ليستريحوا ، فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول
-صلى الله عليه وسلم- ، فقال الرسول كن أبا ذر ) ... وأخذ الرجل
بالاقتراب فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- يمشي صوب النبي -صلى الله عليه
وسلم- ، فلم يكد يراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى قال يرحم الله
أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ) ...
وصية الرسول له
ألقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أبا ذر في يوم سؤال يا أبا ذر ،
كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء ) ... فأجاب قائلا اذا والذي
بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي ) ... فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- (
أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ ... اصبر حتى تلقاني ) ... وحفظ أبو ذر وصية
الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ،
وانما سيحمل في الحق لسانه البتار ...
جهاده بلسانه
ومضى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده عهد أبو بكر وعمر -رضي
الله عنهما- ، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان
-رضي الله عنه- وبدأ يظهر التطلع الى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، وتصبح
السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده الى سيفه
ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن الى وصية رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ " ... فكان لابد هنا
من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر
الى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف
حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين بشر
الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم
يوم القيامة ) ...
وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي
سفيان وجد أبو ذر -رضي الله عنه- فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في
الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف
لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ) ... ثم ذكر وصية الرسول -صلى الله عليه
وسلم- بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود الى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم
الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، الى أن وقف
أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غير خوف ولا
مداراة ، ويصيح به وبمن معه أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو
بين ظهرانيهم ؟؟) ... ويجيب عنهم نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ،
وشهدتم مع الرسول المشاهد)، ويعود بالسؤال أولا تجدون في كتاب الله هذه
الآية :" ...
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
... يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ، وجنوبهم ، وظهورهم ،
هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون " ...
فيقول معاوية لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ) ... فيصيح أبو ذر
ل ... بل أنزلت لنا ولهم ) ... ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل الى
الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام ) ...
فيكتب عثمان الى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود الى المدينة ، ويقول
للخليفة بعد حوار طويل لا حاجة لي في دالله يهديكم ) ... وطلب الاذن بالخروج
الى ( الربذة ) ... وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه
زجرهم قائلا والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت
وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي ) ...
فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا
روادا للهدى ... لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال
له أبو ذر لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا ) ...
كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال اليك عني ،
ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا )
... وعرضت عليه امارة العراق فقال لا والله ... لن تميلوا علي بدالله يهديكم
أبدا ) ...
اقتدائه بالرسول
عاش أبو ذر -رضي الله عنه- مقتديا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو يقول
أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر
الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ،
وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف
في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله ) ...
وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي - رضي الله عنه - لم يبق اليوم
أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ) ...
وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف
فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قبل أن تحتزوا لأنفذتها ) ... ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما
فقال له أليس لك ثوب غير هذا ؟ ... لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين
؟) ... فأجابه أبو ذر يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني
) ... قال له والله انك لمحتاج اليهما ) ... فأجاب أبو ذر اللهم
غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة
الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟) ...
وفاته
في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ،
فيسألها فيم البكاء والموت حق ؟) ... فتجيبه بأنها تبكي لأنك تموت ،
وليس عندي ثوب يسعك كفنا !) ... فيبتسم ويطمئنها ويقول لها لا تبكي ،
فاني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وأنا عنده في نفر من
أصحابه يقول :" ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين
" ... وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم
غيري ، وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من
المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت ) ... وفاضت روحه الى الله ، وصدق
... فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول
صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ) ... وبدأ يقص
على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره ...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى