- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
عامر الشعبي
الثلاثاء 25 أغسطس 2009, 15:02
الشَّعْبي هو عامر بن شَراحيل بن عبد بن ذي كِبَار -وذو
كبار : قَيْل من أقيال اليمن- الإمام ، علامة العصر، أبو عمرو الهمداني ثم
الشعبي.
ويقال : هو عامر بن عبد الله ، وكانت أُمُّه من سبي جَلُولاء .
مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خَلَت منها فهذه رواية.
وقيل : وُلد سنة إحدى وعشرين . قاله شبَاب .
وكانت جلولاء في سنة سبع عشرة .
وروى ابن عيينة عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي ، قال : ولدت عام جلولاء فهذه رواية منكرة ، وليس السري بمعتمد ، قد اتُّهِم .
وعن أحمد بن يونس : ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين .
ويُقاربها رواية حجاج الأعور عن شعبة ، قال لي أبو إسحاق : الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين .
قلت : وإنما وُلد أبو إسحاق بعد سنة اثنتين وثلاثين .
وقال محمد بن سعد هو من حِمْيَر ، وعداده في همدان .
قلت : رأى عليا -رضي الله عنه- وصلَّى خلفه ، وسمع من عدة من كبراء الصحابة .
وحدث عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبي موسى الأشعري ، وعدي بن
حاتم ، وأسامة بن زيد ، وأبي مسعود البدري ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ،
وعائشة ، وجابر بن سمرة وابن عمر ، وعمران بن حصين ، والمغيرة بن شعبة ،
وعبد الله بن عمرو ، وجرير بن عبد الله ، وابن عباس ، وكعب بن عجرة ، وعبد
الرحمن بن سمرة ، وسمرة بن جندب ، والنعمان بن بشير ، والبراء بن عازب ،
وزيد بن أرقم ، وبريدة بن الحصيب ، والحسن بن علي ، وحبشي بن جنادة ،
والأشعث بن قيس الكندي ، ووهب بن خَنْبَش الطائي ، وعروة بن مُضرِّس ،
وجابر بن عبد الله ، وعمرو بن حريث ، وأبي سريحة الغفاري ، وميمونة ، وأم
سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت قيس ، وأم هانئ ، وأبي جحيفة السوائي
، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن يزيد الأنصاري ، وعبد الرحمن بن
أبْزَى ، وعبد الله بن المعدنير ، والمقدام بن معد يكرب ، وعامر بن شهر ،
وعروة بن الجعد البارقي ، وعوف بن مالك الأشجعي ، وعبد الله بن مطيع بن
الأسود العدوي ، وأنس بن مالك ، ومحمد بن صيفي ، وغير هؤلاء الخمسين من
الصحابة .
وحدث عن علقمة ، والأسود ، والحارث الأعور ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والقاضي شريح وعدة .
روى عنه الحكم ، وحماد ، وأبو إسحاق ، وداود بن أبي هند ، وابن عون
وإسماعيل بن أبي خالد ، وعاصم الأحول ، ومكحول الشامي ، ومنصور بن عبد
الرحمن الغُداني ، وعطاء بن السائب ، ومغيرة بن مقسم ، ومحمد بن سوقة ،
ومجالد ، ويونس بن أبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وعيسى بن أبي
عيسى الحنَّاط وعبد الله بن عياش المَنْتُوف ، وأبو بكر الهذلي ، وأمم
سواهم .
وقبيلته : من كان منهم بالكوفة قيل : شعبي . ومن كان بمصر قيل :
الأُشْعوبي . ومن كان باليمن قيل لهم : آل ذي شَعْبَيْن ، ومن كان بالشام
قيل : الشَّعْباني .
وأرى قبيلة شعبان نزلت بمَرْج "كَفْرَبَطْنا" فعُرف بهم ، وهم جميعا ولد حسان بن عمرو بن شَعْبَيْن .
قال الحاكم أبو عبد الله : فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط عامر الشعبي ،
دخلوا في جمهور همدان . وكان الشعبي توأما ضئيلا فكان يقول : إني زُوحمْتُ
في الرحم.
قال : وأقام بالمدينة ثمانية أشهر هاربا من المختار ، فسمع من ابن عمر
وتعلم الحساب من الحارث الأعور ، وكان حافظا وما كتب شيئا قطّ .
قال ابن سعد أنبأنا عبد الله بن محمد بن مرة الشعباني ، حدثني أشياخ من
شعبان ، منهم محمد بن أبي أمية -وكان عالما- أن مطرا أصاب اليمن ، فجَحَفَ
السيل موضعا فأبْدى عن أَزَجٍ عليه باب من حجارة ، فكُسِر الغلق ودُخِل ،
فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب ، فإذا عليه رجل شَبَرْناه، فإذا طوله اثنا
عشر شبرا ، وإذا عليه جباب من وَشْي منسوجة بالذهب ، وإلى جنبه محجن من
ذهب على رأسه ياقوتة حمراء ، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية ، له ضَفْران ،
وإلى جنبه لوح مكتوب فيه بالحميرية : باسمك الله رب حمير أنا حسان بن عمرو
القيل إذ لا قيل إلا الله ، عشت بأمل ، ومت بأجل ، أيام وخْزِهَيْد وما
وخزهيد ؟ هلك فيه اثنا عشر ألف قَيْل ، فكنت آخرهم قَيْلا ، فأتيت جبل ذي
شعبين ليُجيرني من الموت فأخفرني . وإلى جنبه سيف مكتوب فيه : أنا قَيْل
بي يُدْرَك الثأر .
شعبة ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، قال : أدركت خمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، قال : ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي .
هشيم : أنبأنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي ، قال : ما مات ذو قرابة لي
وعليه دين ، إلا وقضيت عنه ، ولا ضربت مملوكا لي قط ، ولا حللت حبوتي إلى
شيء مما ينظر الناس .
أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : ما رأيت أحدا قط كان أفقه من الشعبي . قلت : ولا شريح ؟ فغضب وقال : إن شريحا لم أنظر أمره .
زائدة ، عن مجالد ، قال : كنت مع إبراهيم في أصحاب الملا ، فأقبل الشعبي ،
فقام إليه إبراهيم ، فقال له : يا أعور ، لو أن أصحابي أبصروك ! ثم جاء ،
فجلس في موضع إبراهيم .
سليمان التيمي ، عن أبي مِجْلَز ، قال : ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي ; لا
سعيد بن المسيب ، ولا طاوس ، ولا عطاء ، ولا الحسن ، ولا ابن سيرين ، فقد
رأيت كلهم .
عبد الله بن رجاء : حدثنا جرير بن أيوب ، قال : سأل رجل الشعبي عن ولد
الزنا شرُّ الثلاثة هو ؟ فقال : لو كان كذلك ، لرُجِمَتْ أُمُّهُ وهو في
بطنها، ولم تُؤَخَّر حتى تلد .
ابن حميد : حدثنا حر ، عن مغيرة ، قال رجل من الكيسانية عند الشعبي : كانت
عائشة من أبغض زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه . قال : خالفت
سُنَّة نبيك .
علي بن القاسم ، عن أبي بكر الهذلي ، قال لي ابن سيرين : الزم الشعبي ؛
فلقد رأيته يُسْتفتَى وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون .
قال أبو الحسن المدائني في كتاب الحكمة : قيل للشعبي : من أين لك كل هذا
العلم ؟ قال : بنفي الاغتمام ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الحمام ،
وبكور كبكور الغراب .
قال ابن عيينة : علماء الناس ثلاثة ; ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه .
قال ابن سعد كان الشعبي ضئيلا نحيفا ، ولد هو وأخ له توأما . قال أحمد بن
عبد الله العجلي : سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال : ولا يكاد يرسل إلا صحيحا .
روى عقيل بن يحيى : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور الغُدَاني ، عن
الشعبي ، قال : أدركت خمس مائة صحابي أو أكثر يقولون : أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي .
وأما عمرو بن مرزوق ، فرواه عن شعبة ، وفيه : يقولون : علي وطلحة والمعدنير في الجنة .
ابن فضيل ، عن ابن شبرمة : سمعت الشعبي يقول : ما كتبت سوداء في بيضاء إلى
يومي هذا ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ، ولا أحببت أن يعيده علي .
هذا سماعنا في "مسند الدارمي".
أنبأنا مالك بن إسماعيل ، أنبأنا ابن فضيل : فكأن الشعبي يخاطبك به ؛ وهذا يدل على أنه أمي لا كتب ولا قرأ .
الفسوي في "تاريخه" حدثنا الحميدي حدثنا سفيان ، حدثنا ابن شبرمة ، سمعت
الشعبي يقول : ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه
، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل ، لكان به عالما .
نوح بن قيس ، عن يونس بن مسلم ، عن وادع الراسبي ، عن الشعبي قال : ما أروي شيئا أقل من الشعر ، ولو شئت لأنشدتكم شَهْرا لا أُعيد .
ورُويَتْ عن نوح مرة فقال : عن يونس ووادع .
محمود بن غيلان : سمعت أبا أسامة يقول : كان عمر في زمانه رأس الناس وهو
جامع ، وكان بعده ابن عباس في زمانه ، وكان بعد الشعبي في زمانه ، وكان
بعده الثوري في زمانه ، ثم كان بعده يحيى بن آدم .
شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : مر ابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي
، فقال : كأن هذا كان شاهدا معنا ، ولهو أحفظ لها مني وأعلم .
أشعب بن سوار ، عن ابن سيرين ، قال : قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة ، والصحابة يومئذ كثير .
ابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، قال : ما جالست أحدا أعلم من الشعبي .
وقال عاصم بن سليمان : ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي .
أبو معاوية : سمعت الأعمش يقول : قال الشعبي : ألا تعجبون من هذا الأعور ؟ ! يأتيني بالليل فيسألني ويفتي بالنهار - يعني إبراهيم .
أبو شهاب ، عن الصلت بن بهرام ، قال : ما بلغ أحد مبلغ الشعبي ؛ أكثر منه يقول لا أدري .
أبو عاصم ، عن ابن عون ، قال : كان الشعبي إذا جاءه شيء اتَّقَاه ، وكان إبراهيم يقول ويقول .
جعفر بن عون ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان إبراهيم صاحب قياس ، والشعبي صاحب آثار .
ابن المبارك ، عن ابن عون : كان الشعبي منبسطا ، وكان إبراهيم منقبضا ; فإذا وقعت الفتوى انقبض الشعبي ، وانبسط إبراهيم .
وقال سلمة بن كهيل : ما اجتمع الشعبي وإبراهيم إلا سكت إبراهيم .
أبو نعيم : حدثنا أبو الجابية الفراء ، قال : قال الشعبي : إنا لسنا
بالفقهاء ، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل .
مالك بن مِغْول : سمعت الشعبي يقول : ليتني لم أكن عَلِمتُ من ذا العلم شيئا .
قلت : لأنه حجة على العالم ، فينبغي أن يعمل به ، وينبه الجاهل ، فيأمره
وينهاه ؛ ولأنه مَظِنَّة أن لا يُخلِص فيه ، وأن يفتخر به ويُماري به ،
لينال رئاسة ودنيا فانية .
الحميدي : حدثنا سفيان ، عن ابن شبرمة : سُئل الشعبي عن شيء فلم يُجِبْ
فيه ، فقال رجل عنده : أبو عمرو يقول فيه كذا وكذا . فقال : الشعبي : هذا
في المحيا ، فأنت في الممات عليَّ أكذب .
قال ابن عائشة : وجه عبد الملك بن مروان الشعبي إلى ملك الروم - يعني
رسولا - فلما انصرف من عنده قال : يا شعبي ، أتدري ما كتب به إلي ملك
الروم ؟ قال : وما كتب به يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت أتعجب لأهل ديانتك
، كيف لم يستخلفوا عليهم رسولك. قلت : يا أمير المؤمنين لأنه رآني ولم يرك
. أوردها الأصمعي . وفيها قال : يا شعبي ، إنما أراد أن يغريني بقتلك .
فبلغ ذلك ملك الروم فقال : لله أبوه ، والله ما أردت إلا ذاك .
يوسف بن بهلول الحافظ : حدثنا جابر بن نوح ، حدثني مجالد عن الشعبي ، قال
: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفا ، فجعلني
عريفا على قومي الشَّعْبِيين ومَنْكِبا على جميع همدان وفرض لي ، فلم
أزَلْ عنده بأحسن منزلة ، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث ، فأتاني
قُرَّاء أهل الكوفة ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إنك زعيم القراء ، فلم
يزالوا حتى خرجت معهم ، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء ،
فبلغني أنه قال : ألا تعجبون من هذا الخبيث ! أما لئن أمكنني الله منه ،
لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مَسْكِ جمل . قال : فما لبثنا أن هُزمْنا ،
فجئت إلى بيتي ، وأغلقت عليَّ ، فمكثت تسعة أشهر ، فندب الناس لخراسان ،
فقام قتيبة بن مسلم ، فقال : أنا لها ، فعقد له على خراسان ، فنادى مناديه
: من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن . فاشترى مَوْلًى لي حمارا ، وزوَّدني ، ثم
خرجت ، فكنت في العسكر ، فلم أزلْ معه حتى أتينا فَرْغانة فجلس ذات يوم
وقد برق فنظرت إليه فقلت : أيها الأمير ، عندي علم ما تريد فقال : ومن أنت
؟ قلت : أعيذك ألا تسأل عن ذاك ، فعرف أني ممن يخفي نفسه ، فدعا بكتاب
فقال : اكتب نسخة . قلت : لا تحتاج إلى ذلك ، فجعلت أُمِلُّ عليه وهو ينظر
حتى فرغ من كتاب الفتح.
قال : فحملني على بغلة وأرسل إليَّ بسَرَقٍ من حرير ، وكنت عنده في أحسن
منزلة ، فإني ليلة أتعشى معه ، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه : إذا نظرت
في كتابي هذا ، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي ، فإن فاتك ، قطعت يدك على
رجلك وعزلتك .
قال : فالتفت إليَّ ، وقال : ما عرفتك قبل الساعة ، فاذهب حيث شئت من
الأرض ، فوالله لأحلِفَنَّ له بكل يمين. فقلت : أيها الأمير إن مثلي لا
يخفى . فقال : أنت أعلم . قال : فبعثني إليه وقال : إذا وصلتم إلى خضراء
واسط فقيِّدوه ، ثم أَدْخِلُوه على الحجاج .
فلما دنوت من واسط ، استقبلني ابن أبي مسلم ، فقال : يا أبا عمرو ، إني
لأضِنُّ بك عن القتل ، إذا دخلت على الأمير فقُلْ كذا وقل كذا . فلما
أُدخِلتُ عليه ورآني قال : لا مرحبا ولا أهلا ، جئتني ولست في الشرف من
قومك ، ولا عريفا ، ففعلت وفعلت ، ثم خرجت علي . وأنا ساكت . فقال : تكلم
. فقلت : أصلح الله الأمير ، كل ما قلته حق ، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر
، وتحَلَّسْنا الخوف ، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء ،
فهذا أوان حقَنْتَ لي دمي ، واستقبلْتَ بي التوبة . قال : قد فعلت ذلك .
وقال الأصمعي : لما أُدخل الشعبي على الحجاج قال : هِيهِ يا شعبي .. فقال
: أحْزَنَ بنا المنزل ، واستَحْلَسْنا الخوف فلم نكن فيما فعلنا بررة
أتقياء ، ولا فجرة أقوياء . فقال: لله درك .
قال ابن سعد قال أصحابنا : كان الشعبي فيمن خرج مع القُرَّاء على الحجاج ،
ثم اختفى زمانا ، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج .
قلت : خرج القراء ، وهم أهل القرآن والصلاح بالعراق على الحجاج لظلمه
وتأخيره الصلاة والجمع في الحضر ، وكان ذلك مذهبا واهيا لبني أمية كما
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- : يكون عليكم أمراء يُمِيتون الصلاة فخرج
على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي ، وكان شريفا مطاعا ،
وجَدَّتُه أخت الصِّدِّيق ، فالتفَّ على مائة ألف أو يزيدون ، وضاقت على
الحجاج الدنيا ، وكاد أن يزول هلكه ، وهزموه مرات ، وعاين التلف وهو ثابت
مقدام ، إلى أن انتصر وتمزق جمع ابن الأشعث . وقُتِلَ خَلْقٌ كثير من
الفريقين ، فكان من ظفر به الحجاج منهم قتله إلا من باء منهم بالكفر على
نفسه فيدعه .
سعيد بن عامر ، عن حميد بن الأسود ، عن عيسى الحناط قال : قال الشعبي :
إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان : العقل والنسك ؛ فإن كان
عاقلا ولم يكن ناسكا قال : هذا أمر لا يناله إلا النُّسَّاك فلن أطلبه ،
وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال : هذا أمر لا يناله إلا العُقَلاء ، فلن
أطلبه ، يقول الشعبي : فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة
منهما ، لا عقل ولا نسك .
قلت : أظنه أراد بالعقل الفهم والذكاء .
قال مجالد : قال الشعبي : إسماعيل بن أبي خالد يزدرد العلم ازدرادا .
وقلما روى الأعمش عن الشعبي ، فروى حفص عن الأعمش ، عن الشعبي ، قال : لا
بأس بذبيحة الليطة . فقلت للأعمش : يا أبا محمد ، ما منعك من إتيان الشعبي
؟ قال : ويحك ، كيف كنت آتيه وهو إذا رآني سخر بي ويقول : هذه هيئة عالم !
ما هيئتك إلا هيئة حائك . وكنت إذا أتيت إبراهيم أكرمني وأدناني .
قال عاصم الأحول : حدثني الشعبي بحديث ، فقلت : إن هذا يرفع إلى النبي صلى
الله عليه وسلم . قال : من دونه أحب إلينا إن كان فيه زيادة أو نقصان .
خالد الحذاء ، عن حصين ، عن عامر ، قال : ما كذب على أحد في هذه الأمة ما كذب على علي .
ابن عيينة : عن ابن شبرمة ، عن الشعبي ، قال : ما جلست مع قوم مُذْ كذا وكذا ، فخاضوا في حديث إلا كنت أعلمهم به .
كبار : قَيْل من أقيال اليمن- الإمام ، علامة العصر، أبو عمرو الهمداني ثم
الشعبي.
ويقال : هو عامر بن عبد الله ، وكانت أُمُّه من سبي جَلُولاء .
مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خَلَت منها فهذه رواية.
وقيل : وُلد سنة إحدى وعشرين . قاله شبَاب .
وكانت جلولاء في سنة سبع عشرة .
وروى ابن عيينة عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي ، قال : ولدت عام جلولاء فهذه رواية منكرة ، وليس السري بمعتمد ، قد اتُّهِم .
وعن أحمد بن يونس : ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين .
ويُقاربها رواية حجاج الأعور عن شعبة ، قال لي أبو إسحاق : الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين .
قلت : وإنما وُلد أبو إسحاق بعد سنة اثنتين وثلاثين .
وقال محمد بن سعد هو من حِمْيَر ، وعداده في همدان .
قلت : رأى عليا -رضي الله عنه- وصلَّى خلفه ، وسمع من عدة من كبراء الصحابة .
وحدث عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبي موسى الأشعري ، وعدي بن
حاتم ، وأسامة بن زيد ، وأبي مسعود البدري ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ،
وعائشة ، وجابر بن سمرة وابن عمر ، وعمران بن حصين ، والمغيرة بن شعبة ،
وعبد الله بن عمرو ، وجرير بن عبد الله ، وابن عباس ، وكعب بن عجرة ، وعبد
الرحمن بن سمرة ، وسمرة بن جندب ، والنعمان بن بشير ، والبراء بن عازب ،
وزيد بن أرقم ، وبريدة بن الحصيب ، والحسن بن علي ، وحبشي بن جنادة ،
والأشعث بن قيس الكندي ، ووهب بن خَنْبَش الطائي ، وعروة بن مُضرِّس ،
وجابر بن عبد الله ، وعمرو بن حريث ، وأبي سريحة الغفاري ، وميمونة ، وأم
سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت قيس ، وأم هانئ ، وأبي جحيفة السوائي
، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن يزيد الأنصاري ، وعبد الرحمن بن
أبْزَى ، وعبد الله بن المعدنير ، والمقدام بن معد يكرب ، وعامر بن شهر ،
وعروة بن الجعد البارقي ، وعوف بن مالك الأشجعي ، وعبد الله بن مطيع بن
الأسود العدوي ، وأنس بن مالك ، ومحمد بن صيفي ، وغير هؤلاء الخمسين من
الصحابة .
وحدث عن علقمة ، والأسود ، والحارث الأعور ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والقاضي شريح وعدة .
روى عنه الحكم ، وحماد ، وأبو إسحاق ، وداود بن أبي هند ، وابن عون
وإسماعيل بن أبي خالد ، وعاصم الأحول ، ومكحول الشامي ، ومنصور بن عبد
الرحمن الغُداني ، وعطاء بن السائب ، ومغيرة بن مقسم ، ومحمد بن سوقة ،
ومجالد ، ويونس بن أبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وعيسى بن أبي
عيسى الحنَّاط وعبد الله بن عياش المَنْتُوف ، وأبو بكر الهذلي ، وأمم
سواهم .
وقبيلته : من كان منهم بالكوفة قيل : شعبي . ومن كان بمصر قيل :
الأُشْعوبي . ومن كان باليمن قيل لهم : آل ذي شَعْبَيْن ، ومن كان بالشام
قيل : الشَّعْباني .
وأرى قبيلة شعبان نزلت بمَرْج "كَفْرَبَطْنا" فعُرف بهم ، وهم جميعا ولد حسان بن عمرو بن شَعْبَيْن .
قال الحاكم أبو عبد الله : فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط عامر الشعبي ،
دخلوا في جمهور همدان . وكان الشعبي توأما ضئيلا فكان يقول : إني زُوحمْتُ
في الرحم.
قال : وأقام بالمدينة ثمانية أشهر هاربا من المختار ، فسمع من ابن عمر
وتعلم الحساب من الحارث الأعور ، وكان حافظا وما كتب شيئا قطّ .
قال ابن سعد أنبأنا عبد الله بن محمد بن مرة الشعباني ، حدثني أشياخ من
شعبان ، منهم محمد بن أبي أمية -وكان عالما- أن مطرا أصاب اليمن ، فجَحَفَ
السيل موضعا فأبْدى عن أَزَجٍ عليه باب من حجارة ، فكُسِر الغلق ودُخِل ،
فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب ، فإذا عليه رجل شَبَرْناه، فإذا طوله اثنا
عشر شبرا ، وإذا عليه جباب من وَشْي منسوجة بالذهب ، وإلى جنبه محجن من
ذهب على رأسه ياقوتة حمراء ، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية ، له ضَفْران ،
وإلى جنبه لوح مكتوب فيه بالحميرية : باسمك الله رب حمير أنا حسان بن عمرو
القيل إذ لا قيل إلا الله ، عشت بأمل ، ومت بأجل ، أيام وخْزِهَيْد وما
وخزهيد ؟ هلك فيه اثنا عشر ألف قَيْل ، فكنت آخرهم قَيْلا ، فأتيت جبل ذي
شعبين ليُجيرني من الموت فأخفرني . وإلى جنبه سيف مكتوب فيه : أنا قَيْل
بي يُدْرَك الثأر .
شعبة ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، قال : أدركت خمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، قال : ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي .
هشيم : أنبأنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي ، قال : ما مات ذو قرابة لي
وعليه دين ، إلا وقضيت عنه ، ولا ضربت مملوكا لي قط ، ولا حللت حبوتي إلى
شيء مما ينظر الناس .
أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : ما رأيت أحدا قط كان أفقه من الشعبي . قلت : ولا شريح ؟ فغضب وقال : إن شريحا لم أنظر أمره .
زائدة ، عن مجالد ، قال : كنت مع إبراهيم في أصحاب الملا ، فأقبل الشعبي ،
فقام إليه إبراهيم ، فقال له : يا أعور ، لو أن أصحابي أبصروك ! ثم جاء ،
فجلس في موضع إبراهيم .
سليمان التيمي ، عن أبي مِجْلَز ، قال : ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي ; لا
سعيد بن المسيب ، ولا طاوس ، ولا عطاء ، ولا الحسن ، ولا ابن سيرين ، فقد
رأيت كلهم .
عبد الله بن رجاء : حدثنا جرير بن أيوب ، قال : سأل رجل الشعبي عن ولد
الزنا شرُّ الثلاثة هو ؟ فقال : لو كان كذلك ، لرُجِمَتْ أُمُّهُ وهو في
بطنها، ولم تُؤَخَّر حتى تلد .
ابن حميد : حدثنا حر ، عن مغيرة ، قال رجل من الكيسانية عند الشعبي : كانت
عائشة من أبغض زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه . قال : خالفت
سُنَّة نبيك .
علي بن القاسم ، عن أبي بكر الهذلي ، قال لي ابن سيرين : الزم الشعبي ؛
فلقد رأيته يُسْتفتَى وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون .
قال أبو الحسن المدائني في كتاب الحكمة : قيل للشعبي : من أين لك كل هذا
العلم ؟ قال : بنفي الاغتمام ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الحمام ،
وبكور كبكور الغراب .
قال ابن عيينة : علماء الناس ثلاثة ; ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه .
قال ابن سعد كان الشعبي ضئيلا نحيفا ، ولد هو وأخ له توأما . قال أحمد بن
عبد الله العجلي : سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال : ولا يكاد يرسل إلا صحيحا .
روى عقيل بن يحيى : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور الغُدَاني ، عن
الشعبي ، قال : أدركت خمس مائة صحابي أو أكثر يقولون : أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي .
وأما عمرو بن مرزوق ، فرواه عن شعبة ، وفيه : يقولون : علي وطلحة والمعدنير في الجنة .
ابن فضيل ، عن ابن شبرمة : سمعت الشعبي يقول : ما كتبت سوداء في بيضاء إلى
يومي هذا ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ، ولا أحببت أن يعيده علي .
هذا سماعنا في "مسند الدارمي".
أنبأنا مالك بن إسماعيل ، أنبأنا ابن فضيل : فكأن الشعبي يخاطبك به ؛ وهذا يدل على أنه أمي لا كتب ولا قرأ .
الفسوي في "تاريخه" حدثنا الحميدي حدثنا سفيان ، حدثنا ابن شبرمة ، سمعت
الشعبي يقول : ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه
، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل ، لكان به عالما .
نوح بن قيس ، عن يونس بن مسلم ، عن وادع الراسبي ، عن الشعبي قال : ما أروي شيئا أقل من الشعر ، ولو شئت لأنشدتكم شَهْرا لا أُعيد .
ورُويَتْ عن نوح مرة فقال : عن يونس ووادع .
محمود بن غيلان : سمعت أبا أسامة يقول : كان عمر في زمانه رأس الناس وهو
جامع ، وكان بعده ابن عباس في زمانه ، وكان بعد الشعبي في زمانه ، وكان
بعده الثوري في زمانه ، ثم كان بعده يحيى بن آدم .
شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : مر ابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي
، فقال : كأن هذا كان شاهدا معنا ، ولهو أحفظ لها مني وأعلم .
أشعب بن سوار ، عن ابن سيرين ، قال : قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة ، والصحابة يومئذ كثير .
ابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، قال : ما جالست أحدا أعلم من الشعبي .
وقال عاصم بن سليمان : ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي .
أبو معاوية : سمعت الأعمش يقول : قال الشعبي : ألا تعجبون من هذا الأعور ؟ ! يأتيني بالليل فيسألني ويفتي بالنهار - يعني إبراهيم .
أبو شهاب ، عن الصلت بن بهرام ، قال : ما بلغ أحد مبلغ الشعبي ؛ أكثر منه يقول لا أدري .
أبو عاصم ، عن ابن عون ، قال : كان الشعبي إذا جاءه شيء اتَّقَاه ، وكان إبراهيم يقول ويقول .
جعفر بن عون ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان إبراهيم صاحب قياس ، والشعبي صاحب آثار .
ابن المبارك ، عن ابن عون : كان الشعبي منبسطا ، وكان إبراهيم منقبضا ; فإذا وقعت الفتوى انقبض الشعبي ، وانبسط إبراهيم .
وقال سلمة بن كهيل : ما اجتمع الشعبي وإبراهيم إلا سكت إبراهيم .
أبو نعيم : حدثنا أبو الجابية الفراء ، قال : قال الشعبي : إنا لسنا
بالفقهاء ، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل .
مالك بن مِغْول : سمعت الشعبي يقول : ليتني لم أكن عَلِمتُ من ذا العلم شيئا .
قلت : لأنه حجة على العالم ، فينبغي أن يعمل به ، وينبه الجاهل ، فيأمره
وينهاه ؛ ولأنه مَظِنَّة أن لا يُخلِص فيه ، وأن يفتخر به ويُماري به ،
لينال رئاسة ودنيا فانية .
الحميدي : حدثنا سفيان ، عن ابن شبرمة : سُئل الشعبي عن شيء فلم يُجِبْ
فيه ، فقال رجل عنده : أبو عمرو يقول فيه كذا وكذا . فقال : الشعبي : هذا
في المحيا ، فأنت في الممات عليَّ أكذب .
قال ابن عائشة : وجه عبد الملك بن مروان الشعبي إلى ملك الروم - يعني
رسولا - فلما انصرف من عنده قال : يا شعبي ، أتدري ما كتب به إلي ملك
الروم ؟ قال : وما كتب به يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت أتعجب لأهل ديانتك
، كيف لم يستخلفوا عليهم رسولك. قلت : يا أمير المؤمنين لأنه رآني ولم يرك
. أوردها الأصمعي . وفيها قال : يا شعبي ، إنما أراد أن يغريني بقتلك .
فبلغ ذلك ملك الروم فقال : لله أبوه ، والله ما أردت إلا ذاك .
يوسف بن بهلول الحافظ : حدثنا جابر بن نوح ، حدثني مجالد عن الشعبي ، قال
: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفا ، فجعلني
عريفا على قومي الشَّعْبِيين ومَنْكِبا على جميع همدان وفرض لي ، فلم
أزَلْ عنده بأحسن منزلة ، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث ، فأتاني
قُرَّاء أهل الكوفة ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إنك زعيم القراء ، فلم
يزالوا حتى خرجت معهم ، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء ،
فبلغني أنه قال : ألا تعجبون من هذا الخبيث ! أما لئن أمكنني الله منه ،
لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مَسْكِ جمل . قال : فما لبثنا أن هُزمْنا ،
فجئت إلى بيتي ، وأغلقت عليَّ ، فمكثت تسعة أشهر ، فندب الناس لخراسان ،
فقام قتيبة بن مسلم ، فقال : أنا لها ، فعقد له على خراسان ، فنادى مناديه
: من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن . فاشترى مَوْلًى لي حمارا ، وزوَّدني ، ثم
خرجت ، فكنت في العسكر ، فلم أزلْ معه حتى أتينا فَرْغانة فجلس ذات يوم
وقد برق فنظرت إليه فقلت : أيها الأمير ، عندي علم ما تريد فقال : ومن أنت
؟ قلت : أعيذك ألا تسأل عن ذاك ، فعرف أني ممن يخفي نفسه ، فدعا بكتاب
فقال : اكتب نسخة . قلت : لا تحتاج إلى ذلك ، فجعلت أُمِلُّ عليه وهو ينظر
حتى فرغ من كتاب الفتح.
قال : فحملني على بغلة وأرسل إليَّ بسَرَقٍ من حرير ، وكنت عنده في أحسن
منزلة ، فإني ليلة أتعشى معه ، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه : إذا نظرت
في كتابي هذا ، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي ، فإن فاتك ، قطعت يدك على
رجلك وعزلتك .
قال : فالتفت إليَّ ، وقال : ما عرفتك قبل الساعة ، فاذهب حيث شئت من
الأرض ، فوالله لأحلِفَنَّ له بكل يمين. فقلت : أيها الأمير إن مثلي لا
يخفى . فقال : أنت أعلم . قال : فبعثني إليه وقال : إذا وصلتم إلى خضراء
واسط فقيِّدوه ، ثم أَدْخِلُوه على الحجاج .
فلما دنوت من واسط ، استقبلني ابن أبي مسلم ، فقال : يا أبا عمرو ، إني
لأضِنُّ بك عن القتل ، إذا دخلت على الأمير فقُلْ كذا وقل كذا . فلما
أُدخِلتُ عليه ورآني قال : لا مرحبا ولا أهلا ، جئتني ولست في الشرف من
قومك ، ولا عريفا ، ففعلت وفعلت ، ثم خرجت علي . وأنا ساكت . فقال : تكلم
. فقلت : أصلح الله الأمير ، كل ما قلته حق ، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر
، وتحَلَّسْنا الخوف ، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء ،
فهذا أوان حقَنْتَ لي دمي ، واستقبلْتَ بي التوبة . قال : قد فعلت ذلك .
وقال الأصمعي : لما أُدخل الشعبي على الحجاج قال : هِيهِ يا شعبي .. فقال
: أحْزَنَ بنا المنزل ، واستَحْلَسْنا الخوف فلم نكن فيما فعلنا بررة
أتقياء ، ولا فجرة أقوياء . فقال: لله درك .
قال ابن سعد قال أصحابنا : كان الشعبي فيمن خرج مع القُرَّاء على الحجاج ،
ثم اختفى زمانا ، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج .
قلت : خرج القراء ، وهم أهل القرآن والصلاح بالعراق على الحجاج لظلمه
وتأخيره الصلاة والجمع في الحضر ، وكان ذلك مذهبا واهيا لبني أمية كما
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- : يكون عليكم أمراء يُمِيتون الصلاة فخرج
على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي ، وكان شريفا مطاعا ،
وجَدَّتُه أخت الصِّدِّيق ، فالتفَّ على مائة ألف أو يزيدون ، وضاقت على
الحجاج الدنيا ، وكاد أن يزول هلكه ، وهزموه مرات ، وعاين التلف وهو ثابت
مقدام ، إلى أن انتصر وتمزق جمع ابن الأشعث . وقُتِلَ خَلْقٌ كثير من
الفريقين ، فكان من ظفر به الحجاج منهم قتله إلا من باء منهم بالكفر على
نفسه فيدعه .
سعيد بن عامر ، عن حميد بن الأسود ، عن عيسى الحناط قال : قال الشعبي :
إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان : العقل والنسك ؛ فإن كان
عاقلا ولم يكن ناسكا قال : هذا أمر لا يناله إلا النُّسَّاك فلن أطلبه ،
وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال : هذا أمر لا يناله إلا العُقَلاء ، فلن
أطلبه ، يقول الشعبي : فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة
منهما ، لا عقل ولا نسك .
قلت : أظنه أراد بالعقل الفهم والذكاء .
قال مجالد : قال الشعبي : إسماعيل بن أبي خالد يزدرد العلم ازدرادا .
وقلما روى الأعمش عن الشعبي ، فروى حفص عن الأعمش ، عن الشعبي ، قال : لا
بأس بذبيحة الليطة . فقلت للأعمش : يا أبا محمد ، ما منعك من إتيان الشعبي
؟ قال : ويحك ، كيف كنت آتيه وهو إذا رآني سخر بي ويقول : هذه هيئة عالم !
ما هيئتك إلا هيئة حائك . وكنت إذا أتيت إبراهيم أكرمني وأدناني .
قال عاصم الأحول : حدثني الشعبي بحديث ، فقلت : إن هذا يرفع إلى النبي صلى
الله عليه وسلم . قال : من دونه أحب إلينا إن كان فيه زيادة أو نقصان .
خالد الحذاء ، عن حصين ، عن عامر ، قال : ما كذب على أحد في هذه الأمة ما كذب على علي .
ابن عيينة : عن ابن شبرمة ، عن الشعبي ، قال : ما جلست مع قوم مُذْ كذا وكذا ، فخاضوا في حديث إلا كنت أعلمهم به .
- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
رد: عامر الشعبي
الثلاثاء 25 أغسطس 2009, 15:03
عبيد الله بن موسى : حدثنا داود بن يزيد
، سمعت الشعبي يقول : والله لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة ،
لأعدُّوا علي تلك الواحدة .
وعن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : كأني بهذا العلم تحول إلى خراسان .
عبد الله بن إدريس ، عن عمرو بن خليفة ، عن أبي عمرو ، عن الشعبي ، قال :
أصبحت الأمة على أربع فرق : مُحِبٌّ لعلي مُبْغِض لعثمان ، ومُحِب لعثمان
مبغض لعلي ، ومحب لهما ، ومبغض لهما . قلت : من أيّها أنت ؟ قال : مبغض
لباغضهما .
عبد الله بن إدريس : حدثنا عمي ، قال لي الشعبي : أحدثك عن القوم كأنك
شهدتهم ، كان شريح أعلمهم بالقضاء ، وكان عبيدة يوازي شريحا في علم القضاء
، وأما علقمة ، فانتهى إلى علم عبد الله لم يجاوزه ، وأما مسروق ، فأخذ عن
كل . وكان الربيع بن خثيم أعلمهم علما ، وأورعهم ورعا .
قال زكريا بن أبي زائدة : كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه ويقول : تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن !
عبد الوهاب بن نجدة : حدثنا بقية ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني
ربيعة بن يزيد ، قال : جلست إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك ، فحدث
رجل من الصحابة ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : اعبدوا
ربكم ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأطيعوا الأمراء
، فإن كان خيرا فلكم ، وإن كان شرا فعليهم وأنتم منه برآء فقال له الشعبي
: كذبت .
هكذا رواه الحاكم فقال : حدثنا إبراهيم بن مضارب العمري ، حدثنا أبو بكر
محمد بن إسماعيل بن مهران ، حدثنا عبد الوهاب فكأنه أراد بها أخطأت .
قراد : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن طارق بن عبد الرحمن ، قال : كنت
جالسا على باب الشعبي إذ جاء جرير بن يزيد بن جرير البجلي ، فدعا الشعبي
له بوسادة ، فقلنا له : حولك أشياخ ، وجاء هذا الغلام فدعوت له بوسادة ! ؟
قال : نعم ، إن رسول الله ألقى لجده وسادة وقال : إذا أتاكم كريم قوم
فأكرموه .
شبابة : حدثنا يزيد بن عياض ، عن مجالد ، قال : كنت أمشي مع قيس الأرقب ،
فمررنا بالشعبي ، فقال لي الشعبي : اتق الله لا يشعلك بناره . فقال قيس :
أما والله قد كنت في هذه الدار -كذا قال ، ولعله في هذا الرأي- ثم قال له
: وما تركته إلا لحب الدنيا . قال : فقلت : إن كنت كاذبا ، فلعنك الله .
قال : فهل تعرف أصحاب علي ؟ قال الشعبي : ما كنت أعرف فقهاء الكوفة إلا
أصحاب عبد الله قبل أن يقدم علينا علي ، ولقد كان أصحاب عبد الله
يُسَمُّون قناديل المسجد ، أو سرج المصر . قال قيس : أفلا تعرف أصحاب علي
؟ قال : نعم . قال : فهل تعرف الحارث الأعور ؟ قال : نعم ، لقد تعلمت منه
حساب الفرائض فخشيت على نفسي منه الوسواس ، فلا أدري ممن تعلمه . قال :
فهل تعرف ابن صبور ؟ قال : نعم ، ولم يكن بفقيه ، ولم يكن فيه خير . قال :
فهل تعرف صعصعة بن صوحان ؟ قال : كان رجلا خطيبا ولم يكن بفقيه . قال :
فهل تعرف رشيد الهجري ؟ قال الشعبي : نعم ، بينما أنا واقف في الهجريين إذ
قال لي رجل : هل لك في رجل علينا يحب أمير المؤمنين ؟ قلت : نعم . فأدخلني
على رشيد فقال : خرجت حاجًّا ، فلما قضيت نسكي ، قلت : لو أحدثت عهدا
بأمير المؤمنين ، فممرت بالمدينة ، فأتيت باب علي -رضي الله عنه- فقلت
لإنسان : استأذن لي على سيد المسلمين ، فقال : هو نائم ، وهو يحسب أني
أعني الحسن ، قلت : لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين، وإمام
المتقين، وقائد الغُرّ المحجلين .
قال : أَوَلَيْسَ قد مات ! فبكى . فقلت : أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس
حي ، ويعترق من الدثار الثقيل . فقال : أما إذ عرفت سر آل محمد ، فادخل
عليه ، فسلم عليه . فدخلت على أمير المؤمنين ، فسلمت عليه ، وأنبأني
بأشياء تكون . قال الشعبي : فقلت لرشيد : إن كنت كاذبا ، فلعنك الله ، ثم
خرجت .
وبلغ الحديث زيادا ، فقطع لسانه وصلبه قال شبابة : وحدثنيه غير واحد ، عن مجالد ، عن الشعبي .
إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر ، عن علقمعة ، قال : أفرط ناس في حب علي كما أفرطت النصارى في حب المسيح .
وروى خالد بن سلمة ، عن الشعبي قال : حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من
السنة . مالك بن مغول ، عن الشعبي : ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه .
روى مجالد وغيره ، أن رجلا مغفلا لقي الشعبي ومعه امرأة تمشي ، فقال : أيكما الشعبي ؟ قال : هذه .
وعن عامر بن يساف قال : قال لي الشعبي : امضِ بنا نفرّ من أصحاب الحديث ،
فخرجنا ، قال : فمر بنا شيخ ، فقال له الشعبي : ما صنعتك ؟ قال : رفّاء ،
قال : عندنا دن مكسور ترفوه لنا ؟ قال : إن هيأت لي سلوكا من رمل ، رفوته
. فضحك الشعبي حتى استلقى .
روى عطاء بن السائب ، عن الشعبي قال : ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها .
عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، قال : رأيت الشعبي سلم على
نصراني فقال : السلام عليك ورحمة الله . فقيل له في ذلك فقال : أوليس في
رحمة الله ، لولا ذلك ، لهلك .
روى مجالد عن الشعبي قال : لعن الله أرأيت .
قال أبو بكر الهذلي ، قال الشعبي : أرأيتم لو قتل الأحنف ، وقتل معه صغير
، أكانت ديتهما سواء ، أم يفضل الأحنف لعقله وحلمه ؟ قلت : بل سواء . قال
: فليس القياس بشيء .
مجالد ، عن الشعبي : نعم الشيء الغوغاء ، يسدون السيل ويطفئون الحريق ، ويشغبون على ولاة السوء .
وبلغنا عن الشعبي أنه قال : يا ليتني أنفلتُ من علمي كفافا لا عليّ ولا ليّ .
إسحاق الأزرق ، عن الأعمش ، قال : أتى رجل الشعبي ، فقال : ما اسم امرأة إبليس ؟ قال : ذاك عرس ما شهدته .
ابن عيينة ، عن ابن شبرمة ، قال : سئل الشعبي عمن نذر أن يطلق امرأته ؟
قال : ليس بشيء قال : فنهيت الشعبي أنا فقال : ردوا علي الرجل : نذرك في
عنقك إلى يوم القيامة .
عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : رأيت الشعبي ينشد الشعر في المسجد ، ورأيت عليه حلفة حمراء ، وإزارا أصفر .
قال ابن شبرمة : استعمل ابن هبيرة الشعبي على القضاء وكلفه أن يسامره فقال : لا أستطيع ، فأفردني بأحدهما .
قال عاصم الأحول ، كان الشعبي أكثر حديثا من الحسن وأسنّ منه بسنتين .
الهيثم بن عدي : حدثنا مجالد ، عن الشعبي . قال : كره الصالحون الأولون
الإكثار من الحديث ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع
عليه أهل الحديث .
قلت : الهيثم واهٍ .
وروي عن الشعبي قال : رزق صبيان هذا الزمان من العقل ما نقص من أعمارهم في هذا الزمان .
قال ابن شبرمة : مر الشعبي -وأنا معه- بإنسان وهو يقول : فتــن الشعبــي لمــا
رفـع الطرف إليهــا
فلما رأى الشعبي كأنه ولم يتم البيت ، فقال الشعبي : ... ... ... ... ... ...
نظــر الطــــرف إليهـــا
قلت : هذه أبيات مشهورة ، عملها رجل تحاكم هو وزوجته إلى الشعبي أيام قضائه يقول فيها :
فتنتــــه ببنــــان وبخـــطي مقلتيهـــــا
قــال للجـلـواز قدمهـا وأحـــضر شـــاهديهـا
فقضى جورا على الخصـم ولـــم يقــضِ عليهــا
قال ابن شبرمة عن الشعبي : إذا عظمت الحلقة فإنما هو نجاء أو نداء .
قرأت على إسحاق بن طارق : أخبركم ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم اللبان ،
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، وحدثنا محمد بن علي بن محارب ،
حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا يعقوب بن كعب (ح) ، قال أبو نعيم .
وحدثنا محمد بن علي بن حبيش ، حدثنا ابن زنجويه ، أنبأنا إسماعيل بن عبد
الله الرقي (ح) وحدثنا الطبراني ، حدثنا أحمد بن المعلى ، حدثنا هشام ،
قالوا : حدثنا عيسى بن يونس ، عن عباد بن موسى ، عن الشعبي ، قال : أُتي
بي الحجاج موثقا ، فلما انتهيت إلى باب القصر لقيني يزيد بن أبي مسلم فقال
: إنا لله يا شعبي لما بين دفتيك من العلم ، وليس بيوم شفاعة ، بُؤْ
للأمير بالشرك والنفاق على نفسك فبالحري أن تنجو.
ثم لقيني محمد بن الحجاج فقال لي مثل مقالة يزيد ، فلما دخلت عليه قال :
وأنت يا شعبي فيمن خرج علينا وكثر ! قلت : أصلح الله الأمير ، أحزن بنا
المنزل ، وأجدب الجناب وضاق المسلك ، واكتحلنا السهر ، واستحلسنا الخوف ،
ووقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء . قال : صدق
والله ، ما بروا في خروجهم علينا ، ولا قَوَوا علينا حيث فجروا . فأطلقوا
عني . قال : فاحتاج إلى فريضة ، فقال : ما تقول في أخت وأم وجد ؟ قلت :
اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : عثمان ، وزيد
، وابن مسعود ، وعلي ، وابن عباس . قال : فما قال فيها ابن عباس ؟ إن كان
لمنقبا . قلت : جعل الجد أبا وأعطى الأم الثلث ولم يعط الأخت شيئا .
قال : فما قال فيها أمير المؤمنين ؟ -يعني عثمان- قلت : جعلها أثلاثا .
قال : فما قال فيها زيد ؟ قلت : جعلها من تسعة ، فأعطى الأم ثلاثا ، وأعطى
الجد أربعا ، وأعطى الأخت سهمين . قال : فما قال فيها ابن مسعود ؟ قلت :
جعلها من ستة ، أعطى الأخت ثلاثا ، وأعطى الأم سهما ، وأعطى الجد سهمين .
قال : فما قال فيها أبو تراب ؟ قلت : جعلها من ستة ، فأعطى الأخت ثلاثا ،
والأم سهمين ، والجد سهما . قال : مر القاضي فليُمْضِها على ما أمضاها
عليه أمير المؤمنين عثمان ، إذ دخل عليه الحاجب فقال : إن بالباب رسلا ،
قال : ائذن لهم .
فدخلوا عمائمهم على أوساطهم ، وسيوفهم على عواتقهم ، وكتبهم في أيمانهم ،
فدخل رجل من بني سليم ، يقال له سيابة بن عاصم ، فقال : من أين أنت ؟ قال
: من الشام ، قال : كيف أمير المؤمنين ، كيف حشمه ؟ قال : هل كان وراءك من
غيث ؟ قال : نعم ، أصابني فيما بيني وبين أمير المؤمنين ثلاث سحائب ، قال
: فانعت لي . قال : أصابتني سحابة بحوران ، فوقع قطر صغار وقطر كبار ،
فكان الكبار لحمة للصغار ، فوقع سبط متدارك ، وهو السح الذي سمعت به ،
فواد سائل وواد نازح وأرض مقبلة وأرض مدبرة ، فأصابتني سحابة بسواء ، أو
قال : بالقريتين -شك عيسى- فلبدت الدماث ، وأسالت العزاز ، وأدحضت التلاع
فصدعت عن الكمأة أماكنها ، وأصابتني -أيضا- سحابة فقاءت العيون بعد الري ،
وامتلأت الإخاذ وأُفْعِمَتْ الأودية ، وجئتك في مثل وجار الضبع .
ثم قال : ائذن . فدخل رجل من بني أسد ، فقال : هل كان وراءك من غيث ؟ قال
: لا ، كثر الإعصار ، واغبر البلاد ، وأكل ما أشرف من الجنبة فاستيقنا أنه
عام سنة . فقال : بئس المخبر أنت .
ثم قال : ائذن . فدخل رجل من أهل اليمامة فقال : هل كان وراءك من غيث ؟
قال : تقنعت الرواد تدعو إلى زيادتها وسمعت قائلا يقول : هلم أظعنكم إلى
محلة تطفأ فيها النيران ، وتشكي فيها النساء ، وتنافس فيها المعزى . قال
الشعبي : فلم يدر الحجاج ما قال ، فقال : ويحك ؛ إنما تحدث أهل الشام ،
فأفهمهم فقال : نعم ، أصلح الله الأمير ، أخصب الناس ، فكان التمر والسمن
والزبد واللبن ، فلا توقد نار ليختبز بها ، وأما تشكي النساء ، فإن المرأة
تظل بربق بهمها تمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضديها ، كأنها ليستا معها
، وأما تنافس المعزى ، فإنها ترعى من أنواع الشجر وألوان الثمر ، ونور
النبات ما تشبع بطونها ، ولا تشبع عيونها ، فتبيت وقد امتلأت أكراشها ،
لها من الكظة جرة فتبقى الجرة حتى تستنزل بها الدرة.
ثم قال : ائذن . فدخل رجل من الموالي كان يقال : إنه من أشد الناس في ذلك
الزمان فقال : هل كان وراءك من غيث ؟ قال : نعم ، ولكني لا أحسن أقول كما
قال هؤلاء . قال : قل كما تحسن . قال : أصابتني سحابة بحلوان فلم أزل أطأ
في إثرها حتى دخلت على الأمير فقال الحجاج : لئن كنت أقصرهم في المطر خطبة
، إنك أطولهم بالسيف خطوة .
وبه ، إلى أبي نعيم ، حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا أبو العباس السراج ،
حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي ، حدثنا أبي ، أخبرني أبو بكر الهذلي ،
قال : قال لي الشعبي : ألا أحدثك حديثا تحفظه في مجلس واحد ، إن كنت حافظا
كما حفظت ، إنه لما أتى بي الحجاج وأنا مقيد ، فخرج إلي يزيد بن أبي مسلم
، فقال : إنا لله ، فذكر نحوه .
علي بن الجعد : أنبأنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ومجالد ، عن الشعبي ، قال :
شهدت عليا جلد شراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، فكأنهم أنكروا ، أو
رأى أنهم أنكروا . فقال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
رواه جماعة ، عن الشعبي ، وزاد بعضهم : إنها اعترفت بالزنا.
قال إسماعيل بن مجالد ، وخليفة ، وطائفة : مات الشعبي سنة أربع ومائة زاد ابن مجالد : وقد بلغ ثنتين وثمانين سنة .
وقال الواقدي : مات سنة خمس ومائة عن سبع وسبعين سنة .
وفيهما أرخه محمد بن عبد الله بن نمير . وقال الفلاس : في أول سنة ست ومائة وقال يحيى : سنة ثلاث ومائة والأول أشهر .
ومن كلامه : ابن عيينة عن ابن شبرمة ، عن الشعبي ، قال : إنما سمي هوى لأنه يهوي بأصحابه .
أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، قال : لا أدري : نصف العلم .
أخبرنا عمر بن محمد الفارسي وجماعة ، قالوا : أنبأنا ابن اللتي ، أنبأنا
أبو الوقت ، أنبأنا الداودي ، أنبأنا ابن حَمَّويه أنبأنا عيسى بن عمر ،
حدثنا أبو محمد الدارمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا مالك -هو ابن مغول-
قال : قال الشعبي : ما حدثوك هؤلاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فخذه ،
وما قالوه برأيهم فألقه في الحش .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد إجازة ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله
بن محمد ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا
محمد بن الجهم السمري حدثنا يعلى ويزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن
عامر ، أنه سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة ، فمشى نصف الطريق ثم ركب ؟
قال ابن عباس : إذا كان عاما قابلا ، فليركب ما مشى وليمشِ ما ركب ، وينحر
بدنة .
، سمعت الشعبي يقول : والله لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة ،
لأعدُّوا علي تلك الواحدة .
وعن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : كأني بهذا العلم تحول إلى خراسان .
عبد الله بن إدريس ، عن عمرو بن خليفة ، عن أبي عمرو ، عن الشعبي ، قال :
أصبحت الأمة على أربع فرق : مُحِبٌّ لعلي مُبْغِض لعثمان ، ومُحِب لعثمان
مبغض لعلي ، ومحب لهما ، ومبغض لهما . قلت : من أيّها أنت ؟ قال : مبغض
لباغضهما .
عبد الله بن إدريس : حدثنا عمي ، قال لي الشعبي : أحدثك عن القوم كأنك
شهدتهم ، كان شريح أعلمهم بالقضاء ، وكان عبيدة يوازي شريحا في علم القضاء
، وأما علقمة ، فانتهى إلى علم عبد الله لم يجاوزه ، وأما مسروق ، فأخذ عن
كل . وكان الربيع بن خثيم أعلمهم علما ، وأورعهم ورعا .
قال زكريا بن أبي زائدة : كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه ويقول : تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن !
عبد الوهاب بن نجدة : حدثنا بقية ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني
ربيعة بن يزيد ، قال : جلست إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك ، فحدث
رجل من الصحابة ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : اعبدوا
ربكم ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأطيعوا الأمراء
، فإن كان خيرا فلكم ، وإن كان شرا فعليهم وأنتم منه برآء فقال له الشعبي
: كذبت .
هكذا رواه الحاكم فقال : حدثنا إبراهيم بن مضارب العمري ، حدثنا أبو بكر
محمد بن إسماعيل بن مهران ، حدثنا عبد الوهاب فكأنه أراد بها أخطأت .
قراد : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن طارق بن عبد الرحمن ، قال : كنت
جالسا على باب الشعبي إذ جاء جرير بن يزيد بن جرير البجلي ، فدعا الشعبي
له بوسادة ، فقلنا له : حولك أشياخ ، وجاء هذا الغلام فدعوت له بوسادة ! ؟
قال : نعم ، إن رسول الله ألقى لجده وسادة وقال : إذا أتاكم كريم قوم
فأكرموه .
شبابة : حدثنا يزيد بن عياض ، عن مجالد ، قال : كنت أمشي مع قيس الأرقب ،
فمررنا بالشعبي ، فقال لي الشعبي : اتق الله لا يشعلك بناره . فقال قيس :
أما والله قد كنت في هذه الدار -كذا قال ، ولعله في هذا الرأي- ثم قال له
: وما تركته إلا لحب الدنيا . قال : فقلت : إن كنت كاذبا ، فلعنك الله .
قال : فهل تعرف أصحاب علي ؟ قال الشعبي : ما كنت أعرف فقهاء الكوفة إلا
أصحاب عبد الله قبل أن يقدم علينا علي ، ولقد كان أصحاب عبد الله
يُسَمُّون قناديل المسجد ، أو سرج المصر . قال قيس : أفلا تعرف أصحاب علي
؟ قال : نعم . قال : فهل تعرف الحارث الأعور ؟ قال : نعم ، لقد تعلمت منه
حساب الفرائض فخشيت على نفسي منه الوسواس ، فلا أدري ممن تعلمه . قال :
فهل تعرف ابن صبور ؟ قال : نعم ، ولم يكن بفقيه ، ولم يكن فيه خير . قال :
فهل تعرف صعصعة بن صوحان ؟ قال : كان رجلا خطيبا ولم يكن بفقيه . قال :
فهل تعرف رشيد الهجري ؟ قال الشعبي : نعم ، بينما أنا واقف في الهجريين إذ
قال لي رجل : هل لك في رجل علينا يحب أمير المؤمنين ؟ قلت : نعم . فأدخلني
على رشيد فقال : خرجت حاجًّا ، فلما قضيت نسكي ، قلت : لو أحدثت عهدا
بأمير المؤمنين ، فممرت بالمدينة ، فأتيت باب علي -رضي الله عنه- فقلت
لإنسان : استأذن لي على سيد المسلمين ، فقال : هو نائم ، وهو يحسب أني
أعني الحسن ، قلت : لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين، وإمام
المتقين، وقائد الغُرّ المحجلين .
قال : أَوَلَيْسَ قد مات ! فبكى . فقلت : أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس
حي ، ويعترق من الدثار الثقيل . فقال : أما إذ عرفت سر آل محمد ، فادخل
عليه ، فسلم عليه . فدخلت على أمير المؤمنين ، فسلمت عليه ، وأنبأني
بأشياء تكون . قال الشعبي : فقلت لرشيد : إن كنت كاذبا ، فلعنك الله ، ثم
خرجت .
وبلغ الحديث زيادا ، فقطع لسانه وصلبه قال شبابة : وحدثنيه غير واحد ، عن مجالد ، عن الشعبي .
إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر ، عن علقمعة ، قال : أفرط ناس في حب علي كما أفرطت النصارى في حب المسيح .
وروى خالد بن سلمة ، عن الشعبي قال : حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من
السنة . مالك بن مغول ، عن الشعبي : ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه .
روى مجالد وغيره ، أن رجلا مغفلا لقي الشعبي ومعه امرأة تمشي ، فقال : أيكما الشعبي ؟ قال : هذه .
وعن عامر بن يساف قال : قال لي الشعبي : امضِ بنا نفرّ من أصحاب الحديث ،
فخرجنا ، قال : فمر بنا شيخ ، فقال له الشعبي : ما صنعتك ؟ قال : رفّاء ،
قال : عندنا دن مكسور ترفوه لنا ؟ قال : إن هيأت لي سلوكا من رمل ، رفوته
. فضحك الشعبي حتى استلقى .
روى عطاء بن السائب ، عن الشعبي قال : ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها .
عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، قال : رأيت الشعبي سلم على
نصراني فقال : السلام عليك ورحمة الله . فقيل له في ذلك فقال : أوليس في
رحمة الله ، لولا ذلك ، لهلك .
روى مجالد عن الشعبي قال : لعن الله أرأيت .
قال أبو بكر الهذلي ، قال الشعبي : أرأيتم لو قتل الأحنف ، وقتل معه صغير
، أكانت ديتهما سواء ، أم يفضل الأحنف لعقله وحلمه ؟ قلت : بل سواء . قال
: فليس القياس بشيء .
مجالد ، عن الشعبي : نعم الشيء الغوغاء ، يسدون السيل ويطفئون الحريق ، ويشغبون على ولاة السوء .
وبلغنا عن الشعبي أنه قال : يا ليتني أنفلتُ من علمي كفافا لا عليّ ولا ليّ .
إسحاق الأزرق ، عن الأعمش ، قال : أتى رجل الشعبي ، فقال : ما اسم امرأة إبليس ؟ قال : ذاك عرس ما شهدته .
ابن عيينة ، عن ابن شبرمة ، قال : سئل الشعبي عمن نذر أن يطلق امرأته ؟
قال : ليس بشيء قال : فنهيت الشعبي أنا فقال : ردوا علي الرجل : نذرك في
عنقك إلى يوم القيامة .
عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : رأيت الشعبي ينشد الشعر في المسجد ، ورأيت عليه حلفة حمراء ، وإزارا أصفر .
قال ابن شبرمة : استعمل ابن هبيرة الشعبي على القضاء وكلفه أن يسامره فقال : لا أستطيع ، فأفردني بأحدهما .
قال عاصم الأحول ، كان الشعبي أكثر حديثا من الحسن وأسنّ منه بسنتين .
الهيثم بن عدي : حدثنا مجالد ، عن الشعبي . قال : كره الصالحون الأولون
الإكثار من الحديث ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع
عليه أهل الحديث .
قلت : الهيثم واهٍ .
وروي عن الشعبي قال : رزق صبيان هذا الزمان من العقل ما نقص من أعمارهم في هذا الزمان .
قال ابن شبرمة : مر الشعبي -وأنا معه- بإنسان وهو يقول : فتــن الشعبــي لمــا
رفـع الطرف إليهــا
فلما رأى الشعبي كأنه ولم يتم البيت ، فقال الشعبي : ... ... ... ... ... ...
نظــر الطــــرف إليهـــا
قلت : هذه أبيات مشهورة ، عملها رجل تحاكم هو وزوجته إلى الشعبي أيام قضائه يقول فيها :
فتنتــــه ببنــــان وبخـــطي مقلتيهـــــا
قــال للجـلـواز قدمهـا وأحـــضر شـــاهديهـا
فقضى جورا على الخصـم ولـــم يقــضِ عليهــا
قال ابن شبرمة عن الشعبي : إذا عظمت الحلقة فإنما هو نجاء أو نداء .
قرأت على إسحاق بن طارق : أخبركم ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم اللبان ،
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، وحدثنا محمد بن علي بن محارب ،
حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا يعقوب بن كعب (ح) ، قال أبو نعيم .
وحدثنا محمد بن علي بن حبيش ، حدثنا ابن زنجويه ، أنبأنا إسماعيل بن عبد
الله الرقي (ح) وحدثنا الطبراني ، حدثنا أحمد بن المعلى ، حدثنا هشام ،
قالوا : حدثنا عيسى بن يونس ، عن عباد بن موسى ، عن الشعبي ، قال : أُتي
بي الحجاج موثقا ، فلما انتهيت إلى باب القصر لقيني يزيد بن أبي مسلم فقال
: إنا لله يا شعبي لما بين دفتيك من العلم ، وليس بيوم شفاعة ، بُؤْ
للأمير بالشرك والنفاق على نفسك فبالحري أن تنجو.
ثم لقيني محمد بن الحجاج فقال لي مثل مقالة يزيد ، فلما دخلت عليه قال :
وأنت يا شعبي فيمن خرج علينا وكثر ! قلت : أصلح الله الأمير ، أحزن بنا
المنزل ، وأجدب الجناب وضاق المسلك ، واكتحلنا السهر ، واستحلسنا الخوف ،
ووقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء . قال : صدق
والله ، ما بروا في خروجهم علينا ، ولا قَوَوا علينا حيث فجروا . فأطلقوا
عني . قال : فاحتاج إلى فريضة ، فقال : ما تقول في أخت وأم وجد ؟ قلت :
اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : عثمان ، وزيد
، وابن مسعود ، وعلي ، وابن عباس . قال : فما قال فيها ابن عباس ؟ إن كان
لمنقبا . قلت : جعل الجد أبا وأعطى الأم الثلث ولم يعط الأخت شيئا .
قال : فما قال فيها أمير المؤمنين ؟ -يعني عثمان- قلت : جعلها أثلاثا .
قال : فما قال فيها زيد ؟ قلت : جعلها من تسعة ، فأعطى الأم ثلاثا ، وأعطى
الجد أربعا ، وأعطى الأخت سهمين . قال : فما قال فيها ابن مسعود ؟ قلت :
جعلها من ستة ، أعطى الأخت ثلاثا ، وأعطى الأم سهما ، وأعطى الجد سهمين .
قال : فما قال فيها أبو تراب ؟ قلت : جعلها من ستة ، فأعطى الأخت ثلاثا ،
والأم سهمين ، والجد سهما . قال : مر القاضي فليُمْضِها على ما أمضاها
عليه أمير المؤمنين عثمان ، إذ دخل عليه الحاجب فقال : إن بالباب رسلا ،
قال : ائذن لهم .
فدخلوا عمائمهم على أوساطهم ، وسيوفهم على عواتقهم ، وكتبهم في أيمانهم ،
فدخل رجل من بني سليم ، يقال له سيابة بن عاصم ، فقال : من أين أنت ؟ قال
: من الشام ، قال : كيف أمير المؤمنين ، كيف حشمه ؟ قال : هل كان وراءك من
غيث ؟ قال : نعم ، أصابني فيما بيني وبين أمير المؤمنين ثلاث سحائب ، قال
: فانعت لي . قال : أصابتني سحابة بحوران ، فوقع قطر صغار وقطر كبار ،
فكان الكبار لحمة للصغار ، فوقع سبط متدارك ، وهو السح الذي سمعت به ،
فواد سائل وواد نازح وأرض مقبلة وأرض مدبرة ، فأصابتني سحابة بسواء ، أو
قال : بالقريتين -شك عيسى- فلبدت الدماث ، وأسالت العزاز ، وأدحضت التلاع
فصدعت عن الكمأة أماكنها ، وأصابتني -أيضا- سحابة فقاءت العيون بعد الري ،
وامتلأت الإخاذ وأُفْعِمَتْ الأودية ، وجئتك في مثل وجار الضبع .
ثم قال : ائذن . فدخل رجل من بني أسد ، فقال : هل كان وراءك من غيث ؟ قال
: لا ، كثر الإعصار ، واغبر البلاد ، وأكل ما أشرف من الجنبة فاستيقنا أنه
عام سنة . فقال : بئس المخبر أنت .
ثم قال : ائذن . فدخل رجل من أهل اليمامة فقال : هل كان وراءك من غيث ؟
قال : تقنعت الرواد تدعو إلى زيادتها وسمعت قائلا يقول : هلم أظعنكم إلى
محلة تطفأ فيها النيران ، وتشكي فيها النساء ، وتنافس فيها المعزى . قال
الشعبي : فلم يدر الحجاج ما قال ، فقال : ويحك ؛ إنما تحدث أهل الشام ،
فأفهمهم فقال : نعم ، أصلح الله الأمير ، أخصب الناس ، فكان التمر والسمن
والزبد واللبن ، فلا توقد نار ليختبز بها ، وأما تشكي النساء ، فإن المرأة
تظل بربق بهمها تمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضديها ، كأنها ليستا معها
، وأما تنافس المعزى ، فإنها ترعى من أنواع الشجر وألوان الثمر ، ونور
النبات ما تشبع بطونها ، ولا تشبع عيونها ، فتبيت وقد امتلأت أكراشها ،
لها من الكظة جرة فتبقى الجرة حتى تستنزل بها الدرة.
ثم قال : ائذن . فدخل رجل من الموالي كان يقال : إنه من أشد الناس في ذلك
الزمان فقال : هل كان وراءك من غيث ؟ قال : نعم ، ولكني لا أحسن أقول كما
قال هؤلاء . قال : قل كما تحسن . قال : أصابتني سحابة بحلوان فلم أزل أطأ
في إثرها حتى دخلت على الأمير فقال الحجاج : لئن كنت أقصرهم في المطر خطبة
، إنك أطولهم بالسيف خطوة .
وبه ، إلى أبي نعيم ، حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا أبو العباس السراج ،
حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي ، حدثنا أبي ، أخبرني أبو بكر الهذلي ،
قال : قال لي الشعبي : ألا أحدثك حديثا تحفظه في مجلس واحد ، إن كنت حافظا
كما حفظت ، إنه لما أتى بي الحجاج وأنا مقيد ، فخرج إلي يزيد بن أبي مسلم
، فقال : إنا لله ، فذكر نحوه .
علي بن الجعد : أنبأنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ومجالد ، عن الشعبي ، قال :
شهدت عليا جلد شراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، فكأنهم أنكروا ، أو
رأى أنهم أنكروا . فقال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
رواه جماعة ، عن الشعبي ، وزاد بعضهم : إنها اعترفت بالزنا.
قال إسماعيل بن مجالد ، وخليفة ، وطائفة : مات الشعبي سنة أربع ومائة زاد ابن مجالد : وقد بلغ ثنتين وثمانين سنة .
وقال الواقدي : مات سنة خمس ومائة عن سبع وسبعين سنة .
وفيهما أرخه محمد بن عبد الله بن نمير . وقال الفلاس : في أول سنة ست ومائة وقال يحيى : سنة ثلاث ومائة والأول أشهر .
ومن كلامه : ابن عيينة عن ابن شبرمة ، عن الشعبي ، قال : إنما سمي هوى لأنه يهوي بأصحابه .
أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، قال : لا أدري : نصف العلم .
أخبرنا عمر بن محمد الفارسي وجماعة ، قالوا : أنبأنا ابن اللتي ، أنبأنا
أبو الوقت ، أنبأنا الداودي ، أنبأنا ابن حَمَّويه أنبأنا عيسى بن عمر ،
حدثنا أبو محمد الدارمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا مالك -هو ابن مغول-
قال : قال الشعبي : ما حدثوك هؤلاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فخذه ،
وما قالوه برأيهم فألقه في الحش .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد إجازة ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله
بن محمد ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا
محمد بن الجهم السمري حدثنا يعلى ويزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن
عامر ، أنه سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة ، فمشى نصف الطريق ثم ركب ؟
قال ابن عباس : إذا كان عاما قابلا ، فليركب ما مشى وليمشِ ما ركب ، وينحر
بدنة .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى