- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
النظر في أحوال الأنبياء
الإثنين 24 أغسطس 2009, 19:37
النظر في أحوال الأنبياء
إذا شئت أن تسبر غور إنسان ، وتتعرف على صدقه وأمانته ، فإنّك تنظر في
قسمات وجهه ، وتحصي عليه أفعاله وأقواله ، وتراقب حركاته وسكناته ، والذين
يستغلق عليك أن تصل في شأنهم إلى اليقين هم أولئك الذين لا تقابلهم إلا
مقابلة سريعة ، أو أولئك الذين يخفون أنفسهم ، ويتكلفون في أقوالهم
وأفعالهم فلا يظهرون على طبيعتهم .
والأنبياء والرسل كانوا يخالطون أقوامهم ، ويجالسونهم ويعاشرونهم ،
ويعاملونهم في أمور شتى ، وبذلك يتسنى للناس أن يدرسوهم عن كثب ، ويتعرفوا
إليهم عن قرب ، ولقد كانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
بعثته بالأمين ، وذلك لصدقه وأمانته ، وعندما قال لهم الرسول صلى الله
عليه وسلم في مطلع الدعوة : " لو أخبرتكم أنّ وراء هذا الوادي خيلاً تريد
أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذباً " (1) .
وقد أرشد القرآن إلى هذا النوع من الاستدلال ( قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا
تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ
عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) [ يونس : 16 ] .
يقول لهم : لقد مكثت فيكم زمناً ليس باليسير قبل أن أخبركم بأنني نبي ،
فكيف كانت سيرتي فيكم ؟ وكيف كان صدقي إيّاكم ؟ أفأترك الكذب على الناس ،
وأكذب على ربّ الناس ، ( أفلا تعقلون ) ؟ ألا تعملون عقولكم لتتهديكم إلى
الحق ؟! .
إن المعدن الجيد يدلّ على نفسه بنفسه ، والفاكهة الصالحة يدلُّ على صلاحها
لونها وشكلها ورائحتها وطعمها ، والمصباح الرائع ضوؤه يهدي إليه ( يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء ) [ النور : 35 ] .
بعض الناس لم يحتج إلى برهان ودليل ليستدل بذلك على صدق الرسول صلى الله
عليه وسلم ، لأنّ شخصه وحياته وسيرته هي أعظم دليل ، ومن هؤلاء أبو بكر
الصديق ، فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دعاه لم يتردد . ونظر عبد
الله بن سلام في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة واحدة ، ولكنَّها
كانت كافية لتدلّه على أنّ هذا وجه صادق ليس بكاذب ، قدم الرسول صلى الله
عليه وسلم المدينة ، وخرج عبد الله ابن سلام عالم اليهود مع الخارجين ينظر
في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " فلما رأيت وجهه علمت أن وجهه
ليس بوجه كذّاب " (2) .
وخديجة التي عرفت الرسول زوجاً وخالطته عن قرب قبل أن تعرفه نبياً رسولاً
، لم تتردد في أنّ الله لن يخزيه أبداً ، ولن يصيبه ضير ، ذلك أنّ سنة
الله في أمثال الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكرّموا ويشّرفوا ، ولذلك
قالت له عندما جاءها قائلاً : " لقد خشيت على نفسي " وذلك بعد أن فجأه
الوحي في غار حراء قالت : " كلاّ والله لا يخزيك الله أبداً ، إنّك لتصل
الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب
الحق " (3) .
هرقل وأبو سفيان :
وقد أعمل هرقل ملك الروم عقله وفكره وعلمه بأحوال الرسل وصفاتهم ، فاهتدى إلى أنّ محمداً مرسل من ربّه ، ولكنه لم يؤمن ضنّاً بملكه .
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض في عصره يدعوهم إلى
الإسلام، وكان هرقل ملك الروم من هؤلاء الذين أرسل إليهم ، فلما جاءه كتاب
الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من كان هناك من العرب ، وكان أبو سفيان قد
قدم في طائفة من قريش في تجارة إلى الشام ، وسألهم عن أحوال النبيّ صلى
الله عليه وسلم ، فسأل أبا سفيان ، وأمر الباقين إن كذب أن يكذبوه ،
فصاروا بسكوتهم موافقين له في الأخبار .
وإليك الحوار الذي جرى بينهما يحكيه أبو سفيان .
" كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟
قلت : هو فينا ذو نسب .
قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
قلت : لا .
قال : فهل كان من آبائه مِن مَلِك ؟
قلت : لا .
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟
فقلت : بل ضعفاؤهم .
قال : أيزيدون أم ينقصون ؟
قلت : بل يزيدون .
قال : فهل يرتدّ أحد منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قلت : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قلت : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ، قال : ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة .
قال : فهل قاتلتموه ؟
قلت : نعم .
قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟
قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منّا وننال منه .
قال : فماذا يأمركم ؟
قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق ، والعفاف والصلة .
فقال للترجمان :
قل له : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنّه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت : رجل يأتسي بقول قيل قبله .
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من مَلكِ قلت : رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على الناس ، ويكذب على الله .
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءَهم اتبعوه ، وهم
أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر
الإيمان حتى يتمَّ .
وسألتك أيرتد أحد سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك بما يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً
، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف .
فإن كان ما تقول حقّاً فسيملك موضع قَدَمَيَّ هاتين ، وقد كنت أعلم أنه
خارج ، لم أكن أظنُّ أنّه منكم ، فلو أني أعلم أنّي أَخْلُصُ إليه لتجشمت
لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه " (4) .
زهدهم في المتاع الدنيوي :
ومما يدلُّ على صدق الرسل من خلال التأمل في سيرتهم ، أنَّ الرسل أزهد
النّاس في متاع الدنيا وعرضها الزائل ، وبهرجها الكاذب ، لا يطالبون الناس
الذين يدعونهم أجراً ولا مالاً ، فهم يبذلون لهم الخير لا ينتظرون منهم
جزاءً ولا شكوراً ، هذا أوّل الرسل يقول لقومه : ( وَيَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ) [ هود
: 29 ] .
وهذا آخر الرسل يأمره الله بمثل ذلك : ( قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلاَّ من شاء أن يتَّخذ إلى ربه سبيلاً ) [ الفرقان : 57 ] .
وقص الله علينا في سورة الشعراء طرفاً من قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب
وكلّ منهم يقول لقومه : ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الشعراء : 109 ، 127 ، 145
، 164 ، 180 ] .
--------------------------------
(1) رواه البخاري : (4770) ، ومسلم : (208) (355) من حديث ابن عباس . وانظر (( جامع الأصول )) : 2/286-288 (739) .
(2) رواه أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه وقال : حديث صحيح وابن ماجة في سننه ( البداية والنهاية : 3/ 210 ) .
(3) صحيح البخاري : كتاب بدء الوحي ، حديث رقم (3) .
(4) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب بدء الوحي حديث رقم : 7 .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى