- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
قصة خراب بيت المقدس
الإثنين 24 أغسطس 2009, 19:13
وقوله تعالى :" وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني
إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا
شكورا * وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن
علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد
فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم
وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم
وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما
دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم
عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ".
وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له
أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي : أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم
قلوباً ولا يفقهون ، وأعيناً ولا يبصرون ، وآذاناً ولا يسمعون ، وإني
تذكرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم . فسلهم كيف وجدوا غب طاعتي ،
وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي ، وهل شقى أحد ممن أطاعني بطاعتي ؟ إن
الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت
عليه آباءهم والتمسوا الكرامة من غير وجهها ، أما أحبارهم فأنكروا حقي ،
وأما قراؤهم فعبدوا غيري ، وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما علموا ، وأما
ولاتهم فكذبوا علي وعلى رسلي ، خزنوا المكر في قلوبهم وعودوا الكذب
ألسنتهم ، وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجن عليهم جيوشاً لا يفقهون ألسنتهم
، ولا يعرفون وجوههم ولا يرجمون بكاءهم ، ولأبعثن فيهم ملكاً جباراً
قاسياً له عساكر كقطع السحاب ، ومواكب كأمثال الفجاج ، كأن خفقان راياته
طيران النسور ، وكأن حمل فرسانه كر العقبان ، يعيدون العمران خراباً
ويتركون القرى وحشة ، فياويل إليا وسكانها كيف أذللهم للقتل ، وأسلط عليهم
السبا ، وأعيد بعد لجب الأعراس صراخاً ، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ،
وبعد شرفات القصور مساكن السباع ، وبعد ضوء السرج وهج العجاج ، وبالعز
الذب وبالنعمة العبودية وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب ، وبالمشي على
الزرابي الخبب ، ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض ، وعظامهم ضاحية للشمس ،
ولأدوسنهم بألوان العذاب ، ثم لآمرن السماء فتكون طبقاً من حديد ، والأرض
سبيكة من نحاس ، فإن أمطرت لم تنبت الأرض ، وإن أنبتت شيئاً في خلال ذلك
فبرحمتي للبهائم ، ثم أحبسه في زمان الزرع وأرسله في زمان الحصاد ، فإن
زرعوا في خلال ذلك شيئاً سلطت عليه الآفة ، فإن خلص منه شيء نزعت منه
البركة ، فإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوا لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ،
وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم . رواه ابن عساكر بهذا اللفظ .
وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا إدريس ، عن وهب بن منبه ، قال : إن الله تعالى
لما بعث أرمياً إلى بني إسرائيل ، وذلك حين عظمت الأحداث فيهم فعملوا
بالمعاصي ، وقتلوا الأنبياء ، طمع بختنصر فيهم وقذف الله في قلبه وحدث
نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم ، فأوحى الله إلى
أرميا : إني مهلك بني غسرائيل ومنتقم منهم ، فقم على صخرة بيت المقدس
ياتيك أمري ووحيي . فقام أرميا فشق ثيابه وجعل الرماد على رأسه وخر ساجداً
وقال يا رب . . وددت لو أن أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني
إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي ، فقال له :
ارفع رأسك . فرفع رأسه فبكى ثم قال : يا رب . . من تسلط عليهم ؟ فقال :
عبدة النيران لا يخافون عقابي ، ولا يرجون ثوابي ، قم يا أرميا فاستمع
وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل : من قبل أن أخلفك اخترتك ، ومن قبل أن
أصورك في رحم أمك قدستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك ، ومن قبل أن
تبلغ نبأتك ، ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك ولأمر عظيم اجتنبتك ، فقم من
الملك تسدده وترشده .
فكان مع الملك يسدده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث ، ونسوا ما
نجاهم الله به من عدوهم سنحاريب وجنوده ، فأوحى الله إلى أرميا : قم فاقصص
عليهم ما آمرك به ، وذكرهم نعمتي عليهم ، وعرفهم أحداثهم . فقال أرميا ك
يا رب . . إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تبلغني ، مخطئ إن لم تسددني
، مخذول إن لم تنصرني ، ذليل إن لم تعزني ، فقال الله تعالى : أولم تعلم
أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي ، وأن الخلق والأمر كله لي ، وأن القلوب
والألسنة كلها بيدي فأقلبها كيف شئت فتطيعني ، فأنا الله الذي ليس شيء
مثلي ، قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ، وأنه لا يخلص التوحيد ، ولم
تتم القدرة إلا لي ، ولا يعلم ما عندي غيري ، وأنا الذي كلمت البحار ففهمت
قولي ، وأمرتها ففعلت أمري ، وحددت عليها حدوداً فلا تعدو فلا تعدو حدي ،
وتأتي بأموال كالجبال فإذا بلغت حدي ألبستها مذلة لطاعتي وخوفاً واعترافاً
لأمري ، وإني معك ولن يصل إليك شيء معي ، وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي
لتبلغهم رسالاتي فتستوجب بذلك أجر من اتبعك ، ولا ينقص ذلك من أجورهم
شيئاً .
انطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم : إن الله قد ذكركم بصلاح آبائكم فلذلك
استبقاكم ، يا معشر أبناء الأنبياء ، وكيف وجد آباؤكم مغبة طاعتي وكيف
وجدتم مغبة معصيتي ، وهل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصيتي وهل عملوا أحداً
أطاعني فشقي بطاعتي ؟ إن الدواب إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها ،
وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة وتركوا الأمر الذي أكرمت به آباءهم
، وابتغوا الكرامة من غير وجهها . فأما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي
خولاً يتعبدونهم ، ويعملون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري وأنسوهم ذكري
وسنتي وغروهم عني ، فدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلى لي ، فهم
يطيعونهم في معصيتي .
وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي ، وأمنوا مكري ، وغرتهم الدنيا حتى
نبذوا كتابي ونسوا عهدي ، فهم يحفون كتابي ، ويفترون على رسلي جرأة منهم
علي وغرة بي ، فسبحان جلالي وعلو مكاني وعظمة شأني ، هل ينبغي أن يكون لي
شريك في ملكي ؟ وهل ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي ؟ وهل ينبغي لي أن أخلق
عباداً أجعلهم أرباباً من دوني ، أو آذن لأحد بالطاعة لأحد وهي لا تنبغي
إلا لي ؟ !
وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون ، فينقادون للملوك فيتابعونهم
على البدع التي يبتدعون في ديني ، ويطيعونهم في معصيتي ، ويوفون لهم
بالعود الناقضة لعهدي ، فهم جهلة بما يعلمون لا ينتفعون بشيء مما علموا من
كتابي .
وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون ، يخوضون مع الخائضين يتمنون مثل
نصري آباءهم والكرامة التي أكرمتهم بها ، ويزعمون أنه لا أحد أولى بذلك
منهم بغير صدق منهم ولا تفكر ، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم وكيف كان
جهدهم في أمري حين اغتر المغترون ، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا
وصدقوا حتى عز أمري وظهر ديني . فتأنيت هؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني
ويرجعون ، فتطولت عليهم وصفحت عنهم فأكثرت ومددت لهم في العمر وأعذرت لهم
لعلهم يتذكرون . وكل ذلك أمطر عليهم السماء وأنبت لهم الأرض وألبسهم
العافية وأظهرهم على العدو ولا يزدادون إلا طغياناً وبعداً مني فحتى متى
هذا ؟ أبي يسخرون أم بي يتحرشون أم إياي يخادعون أم علي يجترئون .
فإني أقسم بعزتي لأتيحن عليهم فتنة يتحير فيها الحليم ويضل فيها رأي ذوي
الرأي وحكمة الحكيم ، ثم لأسلطن عليهم جباراً قاسياً عاتياً ألبسه الهيبة
وأنزع من قلبه الرأفة والرحمة وآليت أن يتبعه عدد وسواد مثل الليل المظلم
، له فيه عساكر مثل قطع السحاب ومواكب مثل العجاج ، وكأن خفيق راياته
طيران النسور وحمل فرسانه كريد العقبان ، يعيدون العمران خراباً والقرى
وحشاً ويعيشون في الأرض فساداً ويتبرون ما علو تتبيراً ، قاسية قلوبهم لا
يكترثون ولا يرقبون ، ولا يرحمون ولا يبصرون ، ولا يسمعون ، يجولون في
الأسواق باصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود ، وتطيش من
سمعها الأحلال بألسنة لا يفقهونها ، ووجوه ظاهر عليها المنكر لا يعرفونها
فوعزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ، ولأخلين مجالسهم من حديثها ودروسها
، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كانوا يتزينون بعمارتها لغيري
، ويتهجدون فيها ويتعبدون لكسب الدنيا بالدين ، ويتفقهون فيها لغير الدين
، ويتعلمون فيها لغير العمل ، لأبدلن ملوكها بالعز الذل ، وبالأمن الخوف ،
وبالغنى الفقر ، وبالنعمة الجوع ، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء ،
وبلباس الديباج والحرير مدارع الوبر والعباء ، وبالأرواح الطيبة والأذهان
جيف القتلى ، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأعلال ، ثم لأعيدن
فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب ، وبعد البروج المشيدة
مساكن السباع وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ، وبعد ضوء السراج دخان الحريق
، وبعد الأنس الوحشة والقفار .
ثم لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال ، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد
، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار ، وبالمشي على الزرابي عبور
الأسواق والأنهار ، والخبب إلى الليل في بطون الأسواق ، والخدور والستور
الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار والأرواح السموم ثم لأدوسنهم بأنواع
العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه ، إني إنما أكرم من
أكرمني ، وإنما أهين من هان عليه أمري . ثم لآمرن السماء خلال ذلك فلتكونن
عليهم طبقاً من حديد ، ولآمرن الأرض فلتكون سبيكة من نحاس ، فلا سماء تمطر
، ولا أرض تنبت ، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلطت عليهم الآفة ، فإن خلص
منه شيء نزعت منه البركة ، وإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوني لم أعطهم ،
وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرعوا إلي صرفت وجهي عنهم ، وإن قالوا : اللهم
أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك ، وذلك بأنك اخترتنا
لنفسك وجعلت فينا نبوتك وكتابك ومساجدك ، ثم مكنت لنا في البلاد
واستخلفتنا فيها وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغراً ، وحفظتنا وإياهم
برحمتك كباراً فأنت أوفى المنعمين وإن غيرنا ، ولا تبدل وإن بدلنا وأن تتم
فضلك ومنك وطولك وإحسانك . فإن قالوا ذلك قلت لهم : إني أبتدئ عبادي
برحمتي ونعمتي ، فإن قبلوا أتممت ، وإن استزادوا زدت ، وإن شكروا ضاعفت ،
وإن غيروا غيرت ، وإذا غيروا غضبت ، وإذا غضبت عذبت وليس يقوم شيء بغضبي .
إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا
شكورا * وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن
علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد
فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم
وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم
وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما
دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم
عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ".
وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له
أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي : أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم
قلوباً ولا يفقهون ، وأعيناً ولا يبصرون ، وآذاناً ولا يسمعون ، وإني
تذكرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم . فسلهم كيف وجدوا غب طاعتي ،
وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي ، وهل شقى أحد ممن أطاعني بطاعتي ؟ إن
الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت
عليه آباءهم والتمسوا الكرامة من غير وجهها ، أما أحبارهم فأنكروا حقي ،
وأما قراؤهم فعبدوا غيري ، وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما علموا ، وأما
ولاتهم فكذبوا علي وعلى رسلي ، خزنوا المكر في قلوبهم وعودوا الكذب
ألسنتهم ، وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجن عليهم جيوشاً لا يفقهون ألسنتهم
، ولا يعرفون وجوههم ولا يرجمون بكاءهم ، ولأبعثن فيهم ملكاً جباراً
قاسياً له عساكر كقطع السحاب ، ومواكب كأمثال الفجاج ، كأن خفقان راياته
طيران النسور ، وكأن حمل فرسانه كر العقبان ، يعيدون العمران خراباً
ويتركون القرى وحشة ، فياويل إليا وسكانها كيف أذللهم للقتل ، وأسلط عليهم
السبا ، وأعيد بعد لجب الأعراس صراخاً ، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ،
وبعد شرفات القصور مساكن السباع ، وبعد ضوء السرج وهج العجاج ، وبالعز
الذب وبالنعمة العبودية وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب ، وبالمشي على
الزرابي الخبب ، ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض ، وعظامهم ضاحية للشمس ،
ولأدوسنهم بألوان العذاب ، ثم لآمرن السماء فتكون طبقاً من حديد ، والأرض
سبيكة من نحاس ، فإن أمطرت لم تنبت الأرض ، وإن أنبتت شيئاً في خلال ذلك
فبرحمتي للبهائم ، ثم أحبسه في زمان الزرع وأرسله في زمان الحصاد ، فإن
زرعوا في خلال ذلك شيئاً سلطت عليه الآفة ، فإن خلص منه شيء نزعت منه
البركة ، فإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوا لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ،
وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم . رواه ابن عساكر بهذا اللفظ .
وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا إدريس ، عن وهب بن منبه ، قال : إن الله تعالى
لما بعث أرمياً إلى بني إسرائيل ، وذلك حين عظمت الأحداث فيهم فعملوا
بالمعاصي ، وقتلوا الأنبياء ، طمع بختنصر فيهم وقذف الله في قلبه وحدث
نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم ، فأوحى الله إلى
أرميا : إني مهلك بني غسرائيل ومنتقم منهم ، فقم على صخرة بيت المقدس
ياتيك أمري ووحيي . فقام أرميا فشق ثيابه وجعل الرماد على رأسه وخر ساجداً
وقال يا رب . . وددت لو أن أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني
إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي ، فقال له :
ارفع رأسك . فرفع رأسه فبكى ثم قال : يا رب . . من تسلط عليهم ؟ فقال :
عبدة النيران لا يخافون عقابي ، ولا يرجون ثوابي ، قم يا أرميا فاستمع
وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل : من قبل أن أخلفك اخترتك ، ومن قبل أن
أصورك في رحم أمك قدستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك ، ومن قبل أن
تبلغ نبأتك ، ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك ولأمر عظيم اجتنبتك ، فقم من
الملك تسدده وترشده .
فكان مع الملك يسدده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث ، ونسوا ما
نجاهم الله به من عدوهم سنحاريب وجنوده ، فأوحى الله إلى أرميا : قم فاقصص
عليهم ما آمرك به ، وذكرهم نعمتي عليهم ، وعرفهم أحداثهم . فقال أرميا ك
يا رب . . إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تبلغني ، مخطئ إن لم تسددني
، مخذول إن لم تنصرني ، ذليل إن لم تعزني ، فقال الله تعالى : أولم تعلم
أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي ، وأن الخلق والأمر كله لي ، وأن القلوب
والألسنة كلها بيدي فأقلبها كيف شئت فتطيعني ، فأنا الله الذي ليس شيء
مثلي ، قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ، وأنه لا يخلص التوحيد ، ولم
تتم القدرة إلا لي ، ولا يعلم ما عندي غيري ، وأنا الذي كلمت البحار ففهمت
قولي ، وأمرتها ففعلت أمري ، وحددت عليها حدوداً فلا تعدو فلا تعدو حدي ،
وتأتي بأموال كالجبال فإذا بلغت حدي ألبستها مذلة لطاعتي وخوفاً واعترافاً
لأمري ، وإني معك ولن يصل إليك شيء معي ، وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي
لتبلغهم رسالاتي فتستوجب بذلك أجر من اتبعك ، ولا ينقص ذلك من أجورهم
شيئاً .
انطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم : إن الله قد ذكركم بصلاح آبائكم فلذلك
استبقاكم ، يا معشر أبناء الأنبياء ، وكيف وجد آباؤكم مغبة طاعتي وكيف
وجدتم مغبة معصيتي ، وهل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصيتي وهل عملوا أحداً
أطاعني فشقي بطاعتي ؟ إن الدواب إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها ،
وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة وتركوا الأمر الذي أكرمت به آباءهم
، وابتغوا الكرامة من غير وجهها . فأما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي
خولاً يتعبدونهم ، ويعملون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري وأنسوهم ذكري
وسنتي وغروهم عني ، فدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلى لي ، فهم
يطيعونهم في معصيتي .
وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي ، وأمنوا مكري ، وغرتهم الدنيا حتى
نبذوا كتابي ونسوا عهدي ، فهم يحفون كتابي ، ويفترون على رسلي جرأة منهم
علي وغرة بي ، فسبحان جلالي وعلو مكاني وعظمة شأني ، هل ينبغي أن يكون لي
شريك في ملكي ؟ وهل ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي ؟ وهل ينبغي لي أن أخلق
عباداً أجعلهم أرباباً من دوني ، أو آذن لأحد بالطاعة لأحد وهي لا تنبغي
إلا لي ؟ !
وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون ، فينقادون للملوك فيتابعونهم
على البدع التي يبتدعون في ديني ، ويطيعونهم في معصيتي ، ويوفون لهم
بالعود الناقضة لعهدي ، فهم جهلة بما يعلمون لا ينتفعون بشيء مما علموا من
كتابي .
وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون ، يخوضون مع الخائضين يتمنون مثل
نصري آباءهم والكرامة التي أكرمتهم بها ، ويزعمون أنه لا أحد أولى بذلك
منهم بغير صدق منهم ولا تفكر ، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم وكيف كان
جهدهم في أمري حين اغتر المغترون ، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا
وصدقوا حتى عز أمري وظهر ديني . فتأنيت هؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني
ويرجعون ، فتطولت عليهم وصفحت عنهم فأكثرت ومددت لهم في العمر وأعذرت لهم
لعلهم يتذكرون . وكل ذلك أمطر عليهم السماء وأنبت لهم الأرض وألبسهم
العافية وأظهرهم على العدو ولا يزدادون إلا طغياناً وبعداً مني فحتى متى
هذا ؟ أبي يسخرون أم بي يتحرشون أم إياي يخادعون أم علي يجترئون .
فإني أقسم بعزتي لأتيحن عليهم فتنة يتحير فيها الحليم ويضل فيها رأي ذوي
الرأي وحكمة الحكيم ، ثم لأسلطن عليهم جباراً قاسياً عاتياً ألبسه الهيبة
وأنزع من قلبه الرأفة والرحمة وآليت أن يتبعه عدد وسواد مثل الليل المظلم
، له فيه عساكر مثل قطع السحاب ومواكب مثل العجاج ، وكأن خفيق راياته
طيران النسور وحمل فرسانه كريد العقبان ، يعيدون العمران خراباً والقرى
وحشاً ويعيشون في الأرض فساداً ويتبرون ما علو تتبيراً ، قاسية قلوبهم لا
يكترثون ولا يرقبون ، ولا يرحمون ولا يبصرون ، ولا يسمعون ، يجولون في
الأسواق باصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود ، وتطيش من
سمعها الأحلال بألسنة لا يفقهونها ، ووجوه ظاهر عليها المنكر لا يعرفونها
فوعزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ، ولأخلين مجالسهم من حديثها ودروسها
، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كانوا يتزينون بعمارتها لغيري
، ويتهجدون فيها ويتعبدون لكسب الدنيا بالدين ، ويتفقهون فيها لغير الدين
، ويتعلمون فيها لغير العمل ، لأبدلن ملوكها بالعز الذل ، وبالأمن الخوف ،
وبالغنى الفقر ، وبالنعمة الجوع ، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء ،
وبلباس الديباج والحرير مدارع الوبر والعباء ، وبالأرواح الطيبة والأذهان
جيف القتلى ، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأعلال ، ثم لأعيدن
فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب ، وبعد البروج المشيدة
مساكن السباع وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ، وبعد ضوء السراج دخان الحريق
، وبعد الأنس الوحشة والقفار .
ثم لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال ، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد
، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار ، وبالمشي على الزرابي عبور
الأسواق والأنهار ، والخبب إلى الليل في بطون الأسواق ، والخدور والستور
الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار والأرواح السموم ثم لأدوسنهم بأنواع
العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه ، إني إنما أكرم من
أكرمني ، وإنما أهين من هان عليه أمري . ثم لآمرن السماء خلال ذلك فلتكونن
عليهم طبقاً من حديد ، ولآمرن الأرض فلتكون سبيكة من نحاس ، فلا سماء تمطر
، ولا أرض تنبت ، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلطت عليهم الآفة ، فإن خلص
منه شيء نزعت منه البركة ، وإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوني لم أعطهم ،
وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرعوا إلي صرفت وجهي عنهم ، وإن قالوا : اللهم
أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك ، وذلك بأنك اخترتنا
لنفسك وجعلت فينا نبوتك وكتابك ومساجدك ، ثم مكنت لنا في البلاد
واستخلفتنا فيها وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغراً ، وحفظتنا وإياهم
برحمتك كباراً فأنت أوفى المنعمين وإن غيرنا ، ولا تبدل وإن بدلنا وأن تتم
فضلك ومنك وطولك وإحسانك . فإن قالوا ذلك قلت لهم : إني أبتدئ عبادي
برحمتي ونعمتي ، فإن قبلوا أتممت ، وإن استزادوا زدت ، وإن شكروا ضاعفت ،
وإن غيروا غيرت ، وإذا غيروا غضبت ، وإذا غضبت عذبت وليس يقوم شيء بغضبي .
- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
رد: قصة خراب بيت المقدس
الإثنين 24 أغسطس 2009, 19:13
قال كعب : فقال أرميا : بوجهك أصبحت
أتعلم بين يديك ، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذل وأضعف من أن ينبغي لي أن
أتكلم بين يديك ، ولكن برحمتك أبغيتني لهذا اليوم ، وليس أحد أحق أن يخاف
هذا العذاب وهذا الوعيد مني بما رضيت به مني طولاً ، والإقامة في دار
الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير نكر ولا تغيير مني ، فإن تعذبني فبذنبي ،
وإن ترحمني فذلك ظني بك .
ثم قال : يا رب . . سبحانك وبحمدك ، وتباركت ربنا وتعاليت ، أتهلك هذه
القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك ، يا رب . . سبحانك وبحمدك
وتباركت ربنا وتعاليت لمخرب هذا المسجد ، وما حوله من المساجد ، ومن
البيوت التي رفعت لذكرك يا رب . . سبحانك وبحمدك ، وتباركت وتعاليت لمقتل
هذه الأمة ، وعذابك إياهم وهم من ولد إبراهيم خليلك ، وأمة موسى نجيك وقوم
داود صفيك ، يا رب . . أي القرى تأمن عقوبتك بعد . وأي العباد يأمنون
سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم ، وأمة نجيك موسى ، وقوم خليفتك داود ، تسلط
عليهم عبدة النيران ؟ قال الله تعالى : يا اأرميا . . من عصاني فلا يستنكر
نقمتي ، فإني إنما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي ، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم
دار العاصين ، إلا أن أتداركهم برحمتي .
قال أرميا : يا رب . . اتخذت إبراهيم خليلاً وحفظتنا به ، موسى قربته
نجياً فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطفنا ولا تسلط علينا عدونا . فأوحى الله
إليه : يا أرميا . . إني قدستك في بطن أمك ، وأخرتك إلى هذا اليوم ، فلو
أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل ، لكنت الداعم لهم
، وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها ، طاهر ماؤها ، ولا يغور ماؤها ولا
تبور ثمارها ولا تنقطع ، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل : إني كنت لهم
بمنزلة الراعي الشفيق ، أجنبهم كل قحط وكل عسرة ، وأتبع بهم الخصب حتى
صاروا كباشاً ينطح بعضها بعضاً ، فياويلهم ثم يا ويلهم ، إنما أكرم من
أكرمني ، وأهين من هن عليه أمري ، إن من كان قبل هؤلاء من القرون يستخفون
بمعصيتي ، وإن هؤلاء القوم يتبرعون بمعصيتي تبرعاً فيظهرونها في المساجد
والأسواق ، وعلى رءوس الجبال وظلال الأشجار ، حتى عجت السماء إلي منهم ،
وعجت الأرض والجبال نفرت منها الوجوش بأطراف الأرض وأقاصيها ، وفي كل ذلك
لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب .
قال : فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه
وكذبوه واتهموه وقالوا : كذبت وأعظمت على الله الفرية فتنزعم أن الله معطل
أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده ؟ فمن يعبده حين لا يبقى له في
الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب ؟ ! لقد أعظمت الفرية على الله واعتراك
الجنون . فأخذوه وقيدوه وسجنوه ، فعند ذلك بعث الله عليهم بختنصر فأقبل
يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم ثم حاصرهم فكان كما قال تعالى :" فجاسوا خلال
الديار " قال : فلما طال بهم الحصر نزلوا على حكمه ، ففتحوا الأبواب
وتخللوا الأزفة وذلك قوله :" فجاسوا خلال الديار " وحكم فيهم حكم الجاهلية
وبطش الجبارين ، فقتل منهم الثلث وسبي الثلث ، وترك الزمني والشيوخ
والعجائز ، ثم وطئهم بالخيل وهدم بيت المقدس ، وساق الصبيان وأوقف النساء
في الأسواق حاسرات ، وقتل المقاتلة وخرب الحصون وهدم المساجد وحرق التوراة
، وسأل عن دانيال الذي كان قد كتب له الكتاب فوجدوه قد مات ، وأخرج أهل
بيته الكتاب إليه ، وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر ، وميشائيل وعزرائيل
وميخائيل ، فأمضى لهم ذلك الكتاب .
وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر ، ودخل بختنصر بجنوده بيت
المقدس ووطئ الشام كلها وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ، فلما فرغ منها
انصرف راجعاً وحمل الأموال التي كانت بها ، وساق السبايا فبلغ معه عدة
صبيانهم من أبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام ، وقذف الكناسات في بيت
المقدس وذبح فيه الخنازير ، وكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود ،
وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين ، وثمانية آلاف من سبط
ايشي بن يعقوب ، وأربعة عشر ألفاً من سبط زبالون ونفتالي ابني يعقوب ،
وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب ، وثمانية آلاف من سبط روبيل ولاوي
، واثني عشر ألفاً من سائر بني إسرائيل . وانطلق حتى قدم أرض بابل .
قال إسحاق بن بشر : قال وهب بن منبه : فلما فعل ما فعل قيل له : كان لهم
صاحب يحذرهم ما أصابهم ويصفك وخبرك لهم ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم وتسبي
ذراريهم وتهدم مساجدهم وتحرق كنائسهم ، فكذبوه واتهموه وضربوه وقيدوه
وحبسوه . فأمر بختنصر فأخرج أرميا من السجن فقال له : أكنت تحذر هؤلاء
القوم ما أصابهم ؟ قال : نعم . قال : فإني علمت ذلك ، قال : أرسلني الله
إليهم فكذبوني . قال : كذبوك وضربوك وسجنوك ؟ قال : نعم . قال : بئس القوم
قوم كذبوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم ، فهل لك أن تحلق بي فأكرمك وأواسيك ،
وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك . قال له أرميا : إني لم أزل في
أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا
منه لم يخافوك ولا غيرك ولم يكن لك عليهم سلطان . فلما سمع بختنصر هذا
القول منه تركه فأقام أرميا مكانه بأرض إيليا .
وهذا سياق غريب ، وفيه حكم ومواعظ وأشياء مليحة ، وفيه من جهة التعريف غرابة .
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي : كان بختنصر أصفهبذا لما بين الأهواز
إلى الروم للملك على الفرس وهو لهراسب ، وكان قد بني مدينة بلخ التي تلقب
بالخنساء ، وقاتل الترك وألجأهم إلى أضيق الأماكن وبعث بختنصر لقتال بني
إسرائيل بالشام فلما قدم الشام صالحه أهل دمشق ، وقد قيل إن الذي بعث
بختنصر إنما هو بهمن ملك الفرس بعد بشتاسب بن لهراسب ، وذلك لتعدي بني
إسرائيل على رسله إليهم .
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب عن سليمان بن بلال ،
عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب ، أن بختنصر لما قدم دمشق
وجد بها دماً يغلي على كبا - يعني القمامة - فسألهم : ما هذا الدم ؟
فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر . قال : فقتل
على ذلك سبعين الفاً من المسلمين وغيرهم فسكن .
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وقد تقدم من كلام الحافظ ابن عساكر
ما يدل على أن هذا دم يحيى بن زكريا ، وهذا لا يصح لأن يحيى بن زكريا بعد
بختنصر بمدة ، والظاهر أن هذا دم نبي متقدم أو دم لبعض الصالحين أو لمن
شاء الله ممن الله أعلم به .
قال هشام بن الكلبي : قدم بختنصر بيت المقدس فصالحه ملكها وكان من آل داود
وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بختنصر رهائن ورجع ، فلما بلغ طبرية بلغه
أن بين إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لأجل أنه صالحهه ، فضرب رقاب من
معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة ، وقتل المقاتلة وسبي الذرية
.
قال : وبلغنا أنه وجد في السجن أرميا النبي فأخرجه وقص عليه ما كان من
أمره إياهم وتحذيره لهم عن ذلك فكذبوه وسجنوه فقال بختنصر : بئس القوم قوم
عصوا رسول الله وخلى سبيله وأحسن إليه وأجمع إليه من بقي من ضعفاء بني
إسرائيل فقالوا : إنا قد أسأنا وظلمنا ونحن نتوب إلى الله عز وجل مما
صنعنا ، فادع الله أن يقبل توبتنا ، فدعا ربه فأوحى الله إليه أنه غير
فاعل ، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة . فأخبرهم ما أمره الله
تعالى به . فقالوا : كيف نقيم بهذه البلدة وقد خربت وقد غضب الله على
أهلها ؟ فأبوا أن يقيموا .
قال ابن الكلبي : ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في البلاد فنزلت طائفة
منهم الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادي القرى ، وذهبت شرذمة منهم إلى مصر ،
فتب بختنصر إلى ملكها يطلب منه من شرد منهم إليه فأبى عليه ، فركب في جيشه
فقاتله وقهره وغلبه وسبى ذراريهم ثم ركب إلى بلاد المغرب حتى بلغ أقصى تلك
الناحية . قال : ثم انصرف بسبي كثير من أرض المغرب ومصر وأهل بيت المقدس
وأرض فلسطين والأردن وفي السبي دانيال .
قلت : والظاهر أنه دانيال بن حزقيل الأصغر لا الأكبر . على ما ذكره وهب بن منبه . والله أعلم .
أتعلم بين يديك ، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذل وأضعف من أن ينبغي لي أن
أتكلم بين يديك ، ولكن برحمتك أبغيتني لهذا اليوم ، وليس أحد أحق أن يخاف
هذا العذاب وهذا الوعيد مني بما رضيت به مني طولاً ، والإقامة في دار
الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير نكر ولا تغيير مني ، فإن تعذبني فبذنبي ،
وإن ترحمني فذلك ظني بك .
ثم قال : يا رب . . سبحانك وبحمدك ، وتباركت ربنا وتعاليت ، أتهلك هذه
القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك ، يا رب . . سبحانك وبحمدك
وتباركت ربنا وتعاليت لمخرب هذا المسجد ، وما حوله من المساجد ، ومن
البيوت التي رفعت لذكرك يا رب . . سبحانك وبحمدك ، وتباركت وتعاليت لمقتل
هذه الأمة ، وعذابك إياهم وهم من ولد إبراهيم خليلك ، وأمة موسى نجيك وقوم
داود صفيك ، يا رب . . أي القرى تأمن عقوبتك بعد . وأي العباد يأمنون
سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم ، وأمة نجيك موسى ، وقوم خليفتك داود ، تسلط
عليهم عبدة النيران ؟ قال الله تعالى : يا اأرميا . . من عصاني فلا يستنكر
نقمتي ، فإني إنما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي ، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم
دار العاصين ، إلا أن أتداركهم برحمتي .
قال أرميا : يا رب . . اتخذت إبراهيم خليلاً وحفظتنا به ، موسى قربته
نجياً فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطفنا ولا تسلط علينا عدونا . فأوحى الله
إليه : يا أرميا . . إني قدستك في بطن أمك ، وأخرتك إلى هذا اليوم ، فلو
أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل ، لكنت الداعم لهم
، وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها ، طاهر ماؤها ، ولا يغور ماؤها ولا
تبور ثمارها ولا تنقطع ، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل : إني كنت لهم
بمنزلة الراعي الشفيق ، أجنبهم كل قحط وكل عسرة ، وأتبع بهم الخصب حتى
صاروا كباشاً ينطح بعضها بعضاً ، فياويلهم ثم يا ويلهم ، إنما أكرم من
أكرمني ، وأهين من هن عليه أمري ، إن من كان قبل هؤلاء من القرون يستخفون
بمعصيتي ، وإن هؤلاء القوم يتبرعون بمعصيتي تبرعاً فيظهرونها في المساجد
والأسواق ، وعلى رءوس الجبال وظلال الأشجار ، حتى عجت السماء إلي منهم ،
وعجت الأرض والجبال نفرت منها الوجوش بأطراف الأرض وأقاصيها ، وفي كل ذلك
لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب .
قال : فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه
وكذبوه واتهموه وقالوا : كذبت وأعظمت على الله الفرية فتنزعم أن الله معطل
أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده ؟ فمن يعبده حين لا يبقى له في
الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب ؟ ! لقد أعظمت الفرية على الله واعتراك
الجنون . فأخذوه وقيدوه وسجنوه ، فعند ذلك بعث الله عليهم بختنصر فأقبل
يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم ثم حاصرهم فكان كما قال تعالى :" فجاسوا خلال
الديار " قال : فلما طال بهم الحصر نزلوا على حكمه ، ففتحوا الأبواب
وتخللوا الأزفة وذلك قوله :" فجاسوا خلال الديار " وحكم فيهم حكم الجاهلية
وبطش الجبارين ، فقتل منهم الثلث وسبي الثلث ، وترك الزمني والشيوخ
والعجائز ، ثم وطئهم بالخيل وهدم بيت المقدس ، وساق الصبيان وأوقف النساء
في الأسواق حاسرات ، وقتل المقاتلة وخرب الحصون وهدم المساجد وحرق التوراة
، وسأل عن دانيال الذي كان قد كتب له الكتاب فوجدوه قد مات ، وأخرج أهل
بيته الكتاب إليه ، وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر ، وميشائيل وعزرائيل
وميخائيل ، فأمضى لهم ذلك الكتاب .
وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر ، ودخل بختنصر بجنوده بيت
المقدس ووطئ الشام كلها وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ، فلما فرغ منها
انصرف راجعاً وحمل الأموال التي كانت بها ، وساق السبايا فبلغ معه عدة
صبيانهم من أبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام ، وقذف الكناسات في بيت
المقدس وذبح فيه الخنازير ، وكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود ،
وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين ، وثمانية آلاف من سبط
ايشي بن يعقوب ، وأربعة عشر ألفاً من سبط زبالون ونفتالي ابني يعقوب ،
وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب ، وثمانية آلاف من سبط روبيل ولاوي
، واثني عشر ألفاً من سائر بني إسرائيل . وانطلق حتى قدم أرض بابل .
قال إسحاق بن بشر : قال وهب بن منبه : فلما فعل ما فعل قيل له : كان لهم
صاحب يحذرهم ما أصابهم ويصفك وخبرك لهم ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم وتسبي
ذراريهم وتهدم مساجدهم وتحرق كنائسهم ، فكذبوه واتهموه وضربوه وقيدوه
وحبسوه . فأمر بختنصر فأخرج أرميا من السجن فقال له : أكنت تحذر هؤلاء
القوم ما أصابهم ؟ قال : نعم . قال : فإني علمت ذلك ، قال : أرسلني الله
إليهم فكذبوني . قال : كذبوك وضربوك وسجنوك ؟ قال : نعم . قال : بئس القوم
قوم كذبوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم ، فهل لك أن تحلق بي فأكرمك وأواسيك ،
وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك . قال له أرميا : إني لم أزل في
أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا
منه لم يخافوك ولا غيرك ولم يكن لك عليهم سلطان . فلما سمع بختنصر هذا
القول منه تركه فأقام أرميا مكانه بأرض إيليا .
وهذا سياق غريب ، وفيه حكم ومواعظ وأشياء مليحة ، وفيه من جهة التعريف غرابة .
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي : كان بختنصر أصفهبذا لما بين الأهواز
إلى الروم للملك على الفرس وهو لهراسب ، وكان قد بني مدينة بلخ التي تلقب
بالخنساء ، وقاتل الترك وألجأهم إلى أضيق الأماكن وبعث بختنصر لقتال بني
إسرائيل بالشام فلما قدم الشام صالحه أهل دمشق ، وقد قيل إن الذي بعث
بختنصر إنما هو بهمن ملك الفرس بعد بشتاسب بن لهراسب ، وذلك لتعدي بني
إسرائيل على رسله إليهم .
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب عن سليمان بن بلال ،
عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب ، أن بختنصر لما قدم دمشق
وجد بها دماً يغلي على كبا - يعني القمامة - فسألهم : ما هذا الدم ؟
فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر . قال : فقتل
على ذلك سبعين الفاً من المسلمين وغيرهم فسكن .
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وقد تقدم من كلام الحافظ ابن عساكر
ما يدل على أن هذا دم يحيى بن زكريا ، وهذا لا يصح لأن يحيى بن زكريا بعد
بختنصر بمدة ، والظاهر أن هذا دم نبي متقدم أو دم لبعض الصالحين أو لمن
شاء الله ممن الله أعلم به .
قال هشام بن الكلبي : قدم بختنصر بيت المقدس فصالحه ملكها وكان من آل داود
وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بختنصر رهائن ورجع ، فلما بلغ طبرية بلغه
أن بين إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لأجل أنه صالحهه ، فضرب رقاب من
معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة ، وقتل المقاتلة وسبي الذرية
.
قال : وبلغنا أنه وجد في السجن أرميا النبي فأخرجه وقص عليه ما كان من
أمره إياهم وتحذيره لهم عن ذلك فكذبوه وسجنوه فقال بختنصر : بئس القوم قوم
عصوا رسول الله وخلى سبيله وأحسن إليه وأجمع إليه من بقي من ضعفاء بني
إسرائيل فقالوا : إنا قد أسأنا وظلمنا ونحن نتوب إلى الله عز وجل مما
صنعنا ، فادع الله أن يقبل توبتنا ، فدعا ربه فأوحى الله إليه أنه غير
فاعل ، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة . فأخبرهم ما أمره الله
تعالى به . فقالوا : كيف نقيم بهذه البلدة وقد خربت وقد غضب الله على
أهلها ؟ فأبوا أن يقيموا .
قال ابن الكلبي : ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في البلاد فنزلت طائفة
منهم الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادي القرى ، وذهبت شرذمة منهم إلى مصر ،
فتب بختنصر إلى ملكها يطلب منه من شرد منهم إليه فأبى عليه ، فركب في جيشه
فقاتله وقهره وغلبه وسبى ذراريهم ثم ركب إلى بلاد المغرب حتى بلغ أقصى تلك
الناحية . قال : ثم انصرف بسبي كثير من أرض المغرب ومصر وأهل بيت المقدس
وأرض فلسطين والأردن وفي السبي دانيال .
قلت : والظاهر أنه دانيال بن حزقيل الأصغر لا الأكبر . على ما ذكره وهب بن منبه . والله أعلم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى