- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
بني إسرائيل بعد هلاك فرعون
الإثنين 24 أغسطس 2009, 18:56
قال الله تعالى : " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم
كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين * وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني
إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون *
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا
موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما
هم فيه وباطل ما كانوا يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على
العالمين * وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم
ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " .
يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم ، وكيف سلبهم عزهم ومالهم
وأنفسهم ، وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم ، كما قال : " كذلك
وأورثناها بني إسرائيل " وقال : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " وقال هاهنا : " وأورثنا القوم
الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة
ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما
كانوا يعرشون " .
أي أهلك ذلك جميعه ، وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا ، وهلك الملك
وحاشيته وأمراؤه وجنوده ، ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا .
ذكر ابن عبد الحكم في تاريخ مصر : أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على
رجالها ، بسبب أن نساء الأمراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة ،
فكانت لهن السطوة عليهم . واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومنا هذا !
وعند أهل الكتاب : أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك
الشهر أول سنتهم وأمروا أن يذبح أهل كل بيت حملاً من الغنم ، فإن كانوا لا
يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه . فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه
على أعتاب أبوابهم ، ليكون علامة لهم على بيوتهم ، ولا يأكلونه مطبوخاً ،
ولكن مشوياً برأسه وأكارعه وبطنه ، ولا يبقوا منه شيئاً ، ولا يكسروا له
عظماً ، ولا يخرجوا منه شيئاً إلى خارج بيوتهم ، وليكن خبزهم فطيراً سبعة
أيام ، ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم ، وكان ذلك في فصل
الربيع فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة ، وخفافهم في أرجلهم ، وعصيهم في
أيديهم ، وليأكلوا بسرعة قياماً ، ومهما فضل عن عشائهم فما بقى إلى الغد
فليحرقوه بالنار ، وشرع لهم هذا عيداً لأعقابهم ما دامت التوراة معمولاً
بها ، فإذا نسخت بطل شرعها . وقد وقع .
قالوا : وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط وأبكار دوابهم ،
ليشتغلوا عنهم ، وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار ، وأهل مصر في مناحة
عظيمة على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم ، ليس من بيت إلا فيه عويل .
وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين ، فحملوا العجين قبل اختماره ،
وحملوا الأردية وألقوها على عواتقهم ، وكانوا قد استعاروا من أهل مصر
حلياً كثيراً ، فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري بما معهم من
الأنعام ، وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة . . هذا نص
كتابهم .
وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ وهذا العيد الفسخ : ولهم عيد الفطر وعيد
الحمل وهو أول السنة ، وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم ، منصوص عليها في
كتابهم .
ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام ، وخرجوا على طريق
بحر يوسف ، وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم فيه
عمود نور ، والليل أمامهم عمود نار ، فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر
فنزلوا هنالك ، وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين ، وهم هناك حلول على
شاطئ اليم ، فقلق كثير من بني إسرائيل ، حتى قال قائلهم : كان بقاؤنا بمصر
أحب إلينا من الموت بهذه البرية . فقال موسى عليه السلام لمن قال هذه
المقالة : لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا .
قالوا : وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه . وأن يقسمه
ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس ، وصار الماء من هاهنا وهاهنا كالجبلين
، وصار وسطه يبساً ، لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم فجاز بنو
إسرائيل البحر وأتبعهم فرعون وجنوده ، فلما تسطوه أمر الله موسى فضرب
البحر بعصاه ، فرجع الماء كما كان عليهم لكن عند أهل الكتاب : أن هذا كان
في الليل ، وأن البحر ارتطم عليهم عند الصبح . وهذا من غلطهم وعدم فهمهم
في تعريبهم . . والله أعلم .
قالوا : ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذ سبح موسى وبنو إسرائيل بهذا
التسبيح للرب ، وقالوا : نسبح الرب البهي ، الذي قهر الجنود ، ونبذ
فرسانها في البحر الأنيع المحمود وهو تسبيح طويل .
قالوا : وأخذت مريم النبية - أخت هارون - دفاً بيدها ، وخرج النساء في
أثرها كلهن بدفوف وطبول ، وجعلت مريم ترتل لهن وتقول : سبحان الرب القهار
، الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر .
هكذا رأيته في كتابهم . ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على
زعمه : أن مريم بنت عمران أم عيسى . هي أخت هارون وموسى . مع قوله : " يا
أخت هارون " .
وقد بينا غلطه في ذلك ، وأن هذا لا يمكن أن يقال ، ولم يتابعه أحد عليه ،
بل كل واحد خالفه فيه . ولو قدر أن هذا محفوظ ، فهذه مريم بنت عمران أخت
موسى وهارون عليهما السلام . وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الإسم واسم
الأب واسم الأخ ، لأنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن
شعبة ، لما سأله أهل نجران عن قوله : " يا أخت هارون " فلما يدر ما يقول
لهم : حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " علمت أنهم
كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم " رواه مسلم .
وقولهم : النبية كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة ، ومن بيت الإمرة
أميرة ، وإن لم تكن مباشرة شيئاً من ذلك ، فكذا هذه استعارة لها ، لا أنها
نبية حقيقة يوحى إليها .
وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه
قد كان شرع من قبلها ضرب الدف في العيد ، وهذا مشروع لنا أيضاً في حق
النساء : لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام
منى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع مول ظهره إليهن ، ووجهه إلى
الحائط فلما دخل أبو بكر زجرهن وقال أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ؟ فقال " دعهن يا أبا بكر . . فان لكل قوم عيداً وهذا
عيدنا " وهكذا يشرع عندنا في الأعراس ولقدوم الغياب ، كما هو مقرر في
موضعه . . والله أعلم .
وذكروا أنهم لما جازوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة
أيام لا يجدون ماء ، فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك ، فوجدوا ماء زعافاً
أجاجاً لم يستطيعوا شربه ، فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه ، فحلا
وساغ شربه ، وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ، ووصاه وصايا كثيرة .
* * *
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ماعداه من الكتب : "
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا
موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما
هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " .
قالوا هذا الجهل والضلال ، وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على
صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون
أصناماً ، قيل كانت على صور البقر ، فكأنهم سألوهم . لم يعبدونها ؟ فزعموا
لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضروريات ، فكأن بعض الجهال
منهم صدقوهم في ذلك ، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم ، أن يجعل لهم
آلهة كما لأولئك آلهة ، فقال لهم مبيناً لهم إنهم لا يعقلون ولا يهتدون :
" إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " .
ثم ذكرهم نعمة الله عليهم ، في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم
والشرع ، والرسول الذي بين أظهرهم ، وما أحسن به إليهم وما امتن به عليهم
من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد ، وإهلاكه إياه وهم ينظرون ،
وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملؤه يجمعونه من الأموال والسعادة ، وما
كانوا يعرشون ، وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له ،
لأنه الخالق الرازق القهار ، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال ، بل هذا
الضمير عائد على الجنس في قوله : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على
قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " أي
قال بعضهم كما في قوله : " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا * وعرضوا على ربك
صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا "
فالذين زعموا هذا بعض الناس لا كلهم .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن
سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي ، قال : خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله . .
اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط . وكان الكفار ينوطون سلاحهم
بسدرة يعكفون حولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر . .
هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " إنكم
تركبون سنن الذين من قبلكم " .
ورواه النسائي عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق به . ورواه الترمذي عن
سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري به ، ثم قال
: حسن صحيح .
وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل عن الزهري ، عن سنان
بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي ، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى حنين . قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون
بها أسلحتهم . يقال لها : ذات أنواط قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال
: فقلنا : يا رسول الله . . اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال :
قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة
قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " .
* * *
والمقصود أن موسى عليه السلام ، لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت
المقدس وجد فيها قوماً من الجبارين ، من الحيثانيين والفزازيين
والكنعانيين وغيرهم .
كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين * وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني
إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون *
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا
موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما
هم فيه وباطل ما كانوا يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على
العالمين * وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم
ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " .
يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم ، وكيف سلبهم عزهم ومالهم
وأنفسهم ، وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم ، كما قال : " كذلك
وأورثناها بني إسرائيل " وقال : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " وقال هاهنا : " وأورثنا القوم
الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة
ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما
كانوا يعرشون " .
أي أهلك ذلك جميعه ، وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا ، وهلك الملك
وحاشيته وأمراؤه وجنوده ، ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا .
ذكر ابن عبد الحكم في تاريخ مصر : أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على
رجالها ، بسبب أن نساء الأمراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة ،
فكانت لهن السطوة عليهم . واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومنا هذا !
وعند أهل الكتاب : أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك
الشهر أول سنتهم وأمروا أن يذبح أهل كل بيت حملاً من الغنم ، فإن كانوا لا
يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه . فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه
على أعتاب أبوابهم ، ليكون علامة لهم على بيوتهم ، ولا يأكلونه مطبوخاً ،
ولكن مشوياً برأسه وأكارعه وبطنه ، ولا يبقوا منه شيئاً ، ولا يكسروا له
عظماً ، ولا يخرجوا منه شيئاً إلى خارج بيوتهم ، وليكن خبزهم فطيراً سبعة
أيام ، ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم ، وكان ذلك في فصل
الربيع فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة ، وخفافهم في أرجلهم ، وعصيهم في
أيديهم ، وليأكلوا بسرعة قياماً ، ومهما فضل عن عشائهم فما بقى إلى الغد
فليحرقوه بالنار ، وشرع لهم هذا عيداً لأعقابهم ما دامت التوراة معمولاً
بها ، فإذا نسخت بطل شرعها . وقد وقع .
قالوا : وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط وأبكار دوابهم ،
ليشتغلوا عنهم ، وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار ، وأهل مصر في مناحة
عظيمة على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم ، ليس من بيت إلا فيه عويل .
وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين ، فحملوا العجين قبل اختماره ،
وحملوا الأردية وألقوها على عواتقهم ، وكانوا قد استعاروا من أهل مصر
حلياً كثيراً ، فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري بما معهم من
الأنعام ، وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة . . هذا نص
كتابهم .
وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ وهذا العيد الفسخ : ولهم عيد الفطر وعيد
الحمل وهو أول السنة ، وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم ، منصوص عليها في
كتابهم .
ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام ، وخرجوا على طريق
بحر يوسف ، وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم فيه
عمود نور ، والليل أمامهم عمود نار ، فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر
فنزلوا هنالك ، وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين ، وهم هناك حلول على
شاطئ اليم ، فقلق كثير من بني إسرائيل ، حتى قال قائلهم : كان بقاؤنا بمصر
أحب إلينا من الموت بهذه البرية . فقال موسى عليه السلام لمن قال هذه
المقالة : لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا .
قالوا : وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه . وأن يقسمه
ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس ، وصار الماء من هاهنا وهاهنا كالجبلين
، وصار وسطه يبساً ، لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم فجاز بنو
إسرائيل البحر وأتبعهم فرعون وجنوده ، فلما تسطوه أمر الله موسى فضرب
البحر بعصاه ، فرجع الماء كما كان عليهم لكن عند أهل الكتاب : أن هذا كان
في الليل ، وأن البحر ارتطم عليهم عند الصبح . وهذا من غلطهم وعدم فهمهم
في تعريبهم . . والله أعلم .
قالوا : ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذ سبح موسى وبنو إسرائيل بهذا
التسبيح للرب ، وقالوا : نسبح الرب البهي ، الذي قهر الجنود ، ونبذ
فرسانها في البحر الأنيع المحمود وهو تسبيح طويل .
قالوا : وأخذت مريم النبية - أخت هارون - دفاً بيدها ، وخرج النساء في
أثرها كلهن بدفوف وطبول ، وجعلت مريم ترتل لهن وتقول : سبحان الرب القهار
، الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر .
هكذا رأيته في كتابهم . ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على
زعمه : أن مريم بنت عمران أم عيسى . هي أخت هارون وموسى . مع قوله : " يا
أخت هارون " .
وقد بينا غلطه في ذلك ، وأن هذا لا يمكن أن يقال ، ولم يتابعه أحد عليه ،
بل كل واحد خالفه فيه . ولو قدر أن هذا محفوظ ، فهذه مريم بنت عمران أخت
موسى وهارون عليهما السلام . وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الإسم واسم
الأب واسم الأخ ، لأنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن
شعبة ، لما سأله أهل نجران عن قوله : " يا أخت هارون " فلما يدر ما يقول
لهم : حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " علمت أنهم
كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم " رواه مسلم .
وقولهم : النبية كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة ، ومن بيت الإمرة
أميرة ، وإن لم تكن مباشرة شيئاً من ذلك ، فكذا هذه استعارة لها ، لا أنها
نبية حقيقة يوحى إليها .
وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه
قد كان شرع من قبلها ضرب الدف في العيد ، وهذا مشروع لنا أيضاً في حق
النساء : لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام
منى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع مول ظهره إليهن ، ووجهه إلى
الحائط فلما دخل أبو بكر زجرهن وقال أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ؟ فقال " دعهن يا أبا بكر . . فان لكل قوم عيداً وهذا
عيدنا " وهكذا يشرع عندنا في الأعراس ولقدوم الغياب ، كما هو مقرر في
موضعه . . والله أعلم .
وذكروا أنهم لما جازوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة
أيام لا يجدون ماء ، فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك ، فوجدوا ماء زعافاً
أجاجاً لم يستطيعوا شربه ، فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه ، فحلا
وساغ شربه ، وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ، ووصاه وصايا كثيرة .
* * *
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ماعداه من الكتب : "
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا
موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما
هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " .
قالوا هذا الجهل والضلال ، وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على
صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون
أصناماً ، قيل كانت على صور البقر ، فكأنهم سألوهم . لم يعبدونها ؟ فزعموا
لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضروريات ، فكأن بعض الجهال
منهم صدقوهم في ذلك ، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم ، أن يجعل لهم
آلهة كما لأولئك آلهة ، فقال لهم مبيناً لهم إنهم لا يعقلون ولا يهتدون :
" إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " .
ثم ذكرهم نعمة الله عليهم ، في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم
والشرع ، والرسول الذي بين أظهرهم ، وما أحسن به إليهم وما امتن به عليهم
من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد ، وإهلاكه إياه وهم ينظرون ،
وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملؤه يجمعونه من الأموال والسعادة ، وما
كانوا يعرشون ، وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له ،
لأنه الخالق الرازق القهار ، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال ، بل هذا
الضمير عائد على الجنس في قوله : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على
قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " أي
قال بعضهم كما في قوله : " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا * وعرضوا على ربك
صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا "
فالذين زعموا هذا بعض الناس لا كلهم .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن
سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي ، قال : خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله . .
اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط . وكان الكفار ينوطون سلاحهم
بسدرة يعكفون حولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر . .
هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " إنكم
تركبون سنن الذين من قبلكم " .
ورواه النسائي عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق به . ورواه الترمذي عن
سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري به ، ثم قال
: حسن صحيح .
وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل عن الزهري ، عن سنان
بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي ، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى حنين . قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون
بها أسلحتهم . يقال لها : ذات أنواط قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال
: فقلنا : يا رسول الله . . اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال :
قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة
قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " .
* * *
والمقصود أن موسى عليه السلام ، لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت
المقدس وجد فيها قوماً من الجبارين ، من الحيثانيين والفزازيين
والكنعانيين وغيرهم .
- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
رد: بني إسرائيل بعد هلاك فرعون
الإثنين 24 أغسطس 2009, 18:57
فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم
ومقاتلتهم ، وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس ، فإن الله كتبه لهم ، ووعدهم
إياه على لسان إبراهيم الخليل وموسى الكليم الجليل ، فأبوا ونكلوا عن
الجهاد ، فسلط الله عليهم الخوف ، وألقاهم في التيه يسيرون ويحلون
ويرتحلون ويذهبون ويجيئون ، في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون ،
كما قال الله تعالى : " وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم
إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين * يا
قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم
فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى
يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون
أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله
فتوكلوا إن كنتم مؤمنين * قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون * قال رب إني لا أملك إلا نفسي
وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " .
يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بالنعم الدينية والدنيوية
، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال : " يا قوم ادخلوا
الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم " أي تنكصوا على
أعقابكم ، وتنكلوا عن قتال أعدائكم " فتنقلبوا خاسرين " أي فتخسروا بعد
الربح ، وتنقصوا بدع الكمال .
" قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين " أي عتاة كفرة متمردين " وإنا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون " خافوا من هؤلاء
الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون ، وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأساً ، وأكثر
جمعاً وأعظم جنداً . وهذا يدل علي أنهم ملومون في هذه المقالة ، ومذمومون
على هذه الحالة ، من الذلة عن مصاولة الأعداء ، ومقاومة المردة الأشقياء .
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا آثاراً فيها مجازفات كثيرة باطلة ، يدل
العقل والنقل على خلافها من أنهم كانوا أشكالاً هائلة ضخاماً جداً حتى
إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل
الجبارين ، فجعل يأخذهم واحداً واحداً ، ويلقهم في أكمامه وحجرة سراويله ،
وهم اثنا عشر رجلاً ، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين . فقال : ما
هؤلاء ؟ ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه . وكل هذه هذيانات وخرافات لا
حقيقة لها .
وأن الملك بعث معهم عنبةً كل عنبة تكفي الرجل ، وشيئاً من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم ، وهذا ليس بصحيح .
وذكروا هاهنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم
، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث
ذراع .
هكذا ذكره البغوي وغيره ، وليس بصحيح ، كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله
عليه وسلم : " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى
الآن " .
قالوا : فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ، ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش
موسى ، فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها فصارت طوقاً في عنق عوج بن عنق .
ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشر أذرع ، وبيده عصاه
وطولها عشرة أذرع ، فوصل إلى كعب قدمه فقتله .
يروى هذا عن نوف البكالي ، ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي إسناده إليه
نظر ، ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات ، وكل هذه من وضع جهال بني
إسرائيل ، فإن الأخبار الكاذبة قد كثرت عندهم ولا تمييز لهم بين صحتها
وباطلها . ثم لو كان هذا صحيحاً لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن
قتالهم ، وقد ذمهم الله على نكولهم ، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم
ومخالفتهم رسولهم ، وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالإقدام ، ونهياهم
عن الإحجام ، ويقال : إنهما يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا . قاله ابن عباس
ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس ، وغير واحد .
" قال رجلان من الذين يخافون " أي يخافون الله ، وقرأ بعضهم : " يخافون "
أي يهابون : " أنعم الله عليهما " أي بالإسلام والإيمان والطاعة والشجاعة
" ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن
كنتم مؤمنين " أي إذا توكلتم على الله ، واستعنتم به ولجأتم إليه ، نصركم
على عدوكم وأيدكم عليهم وأظفركم بهم .
" قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا
إنا هاهنا قاعدون " فصمم ملؤهم على النكول عن الجهاد ، ووقع أمر عظيم ووهن
كبير ، فيقال : إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما ، وإن موسى
وهارون سجدا إعظاماً لهذا الكلام وغضباً لله عز وجل ، وشفقة عليهم من وبيل
المقالة .
" قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "
قال ابن عباس : اقض بيني وبينهم : " قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " عوقبوا على نكالهم بالتيهان
في الأرض ، يسيروا إلى غير مقصد . ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساءً . ويقال
إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله ، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ،
ولم يبق إلا ذراريهم ، سوى يوشع وكالب عليهما السلام .
لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى
لموسى ، بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن وتكلم
غيره من المهاجرين .
ثم جعل يقول : أشيروا علي حتى قال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول
الله ؟ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما
تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب
، صدق في اللقاء ، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على
بركة الله . فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن مخارق بن عبد الله
الأحمسى ، عن طارق - هو بن سهاب - أن المقداد قال لرسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم بدر : يا رسول الله . . إنا لا نقول لك كما قالت بنو
إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن اذهب
أنت وربك فقاتلا فإنا معكما مقاتلون . وهذا إسناد جيد من هذا الوجه ، وله
طرق أخرى .
قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، عن مخارق ، عن طارق بن
شهاب ، قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، لقد شهدت من المقدار
مشهداً ، لأن أكون أنا صاحبه ، أحب إلى مما عدل به ، أتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال : والله يا رسول الله لا نقول
لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا
قاعدون " ولكننا نقاتل عن يمينك ، وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ،
فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك . رواه
البخاري في التفسير ، والمغازي من طرق عن مخارق به .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا على بن الحسين بن علي ، حدثنا أبو
حاتم الرازي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري : حدثنا حميد عن أنس ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر ، استشار المسلمين فأشار
عليه عمر ، ثم استشارهم فقالت الأنصار : يا معشر الأنصار . . إياكم يريد
رسول الله صلى الله عليه وسلم : قالوا : إذن لا نقول له كما قال بنو
إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " والذي بعثك
بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك .
رواه الإمام أحمد عن عبيدة بن حميد ، عن حميد الطويل ، عن أنس به ، ورواه
النسائي عن محمد بن المثني ، عن خالد بن الحارث ، عن حميد ، عن أنس به
نحوه . وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ، عن عبد الأعلى عن معتمر ،
عن حميد ، عن أنس به نحوه .
ومقاتلتهم ، وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس ، فإن الله كتبه لهم ، ووعدهم
إياه على لسان إبراهيم الخليل وموسى الكليم الجليل ، فأبوا ونكلوا عن
الجهاد ، فسلط الله عليهم الخوف ، وألقاهم في التيه يسيرون ويحلون
ويرتحلون ويذهبون ويجيئون ، في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون ،
كما قال الله تعالى : " وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم
إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين * يا
قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم
فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى
يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون
أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله
فتوكلوا إن كنتم مؤمنين * قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون * قال رب إني لا أملك إلا نفسي
وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " .
يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بالنعم الدينية والدنيوية
، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال : " يا قوم ادخلوا
الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم " أي تنكصوا على
أعقابكم ، وتنكلوا عن قتال أعدائكم " فتنقلبوا خاسرين " أي فتخسروا بعد
الربح ، وتنقصوا بدع الكمال .
" قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين " أي عتاة كفرة متمردين " وإنا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون " خافوا من هؤلاء
الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون ، وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأساً ، وأكثر
جمعاً وأعظم جنداً . وهذا يدل علي أنهم ملومون في هذه المقالة ، ومذمومون
على هذه الحالة ، من الذلة عن مصاولة الأعداء ، ومقاومة المردة الأشقياء .
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا آثاراً فيها مجازفات كثيرة باطلة ، يدل
العقل والنقل على خلافها من أنهم كانوا أشكالاً هائلة ضخاماً جداً حتى
إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل
الجبارين ، فجعل يأخذهم واحداً واحداً ، ويلقهم في أكمامه وحجرة سراويله ،
وهم اثنا عشر رجلاً ، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين . فقال : ما
هؤلاء ؟ ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه . وكل هذه هذيانات وخرافات لا
حقيقة لها .
وأن الملك بعث معهم عنبةً كل عنبة تكفي الرجل ، وشيئاً من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم ، وهذا ليس بصحيح .
وذكروا هاهنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم
، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث
ذراع .
هكذا ذكره البغوي وغيره ، وليس بصحيح ، كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله
عليه وسلم : " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى
الآن " .
قالوا : فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ، ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش
موسى ، فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها فصارت طوقاً في عنق عوج بن عنق .
ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشر أذرع ، وبيده عصاه
وطولها عشرة أذرع ، فوصل إلى كعب قدمه فقتله .
يروى هذا عن نوف البكالي ، ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي إسناده إليه
نظر ، ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات ، وكل هذه من وضع جهال بني
إسرائيل ، فإن الأخبار الكاذبة قد كثرت عندهم ولا تمييز لهم بين صحتها
وباطلها . ثم لو كان هذا صحيحاً لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن
قتالهم ، وقد ذمهم الله على نكولهم ، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم
ومخالفتهم رسولهم ، وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالإقدام ، ونهياهم
عن الإحجام ، ويقال : إنهما يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا . قاله ابن عباس
ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس ، وغير واحد .
" قال رجلان من الذين يخافون " أي يخافون الله ، وقرأ بعضهم : " يخافون "
أي يهابون : " أنعم الله عليهما " أي بالإسلام والإيمان والطاعة والشجاعة
" ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن
كنتم مؤمنين " أي إذا توكلتم على الله ، واستعنتم به ولجأتم إليه ، نصركم
على عدوكم وأيدكم عليهم وأظفركم بهم .
" قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا
إنا هاهنا قاعدون " فصمم ملؤهم على النكول عن الجهاد ، ووقع أمر عظيم ووهن
كبير ، فيقال : إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما ، وإن موسى
وهارون سجدا إعظاماً لهذا الكلام وغضباً لله عز وجل ، وشفقة عليهم من وبيل
المقالة .
" قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "
قال ابن عباس : اقض بيني وبينهم : " قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " عوقبوا على نكالهم بالتيهان
في الأرض ، يسيروا إلى غير مقصد . ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساءً . ويقال
إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله ، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ،
ولم يبق إلا ذراريهم ، سوى يوشع وكالب عليهما السلام .
لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى
لموسى ، بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن وتكلم
غيره من المهاجرين .
ثم جعل يقول : أشيروا علي حتى قال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول
الله ؟ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما
تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب
، صدق في اللقاء ، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على
بركة الله . فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن مخارق بن عبد الله
الأحمسى ، عن طارق - هو بن سهاب - أن المقداد قال لرسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم بدر : يا رسول الله . . إنا لا نقول لك كما قالت بنو
إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن اذهب
أنت وربك فقاتلا فإنا معكما مقاتلون . وهذا إسناد جيد من هذا الوجه ، وله
طرق أخرى .
قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، عن مخارق ، عن طارق بن
شهاب ، قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، لقد شهدت من المقدار
مشهداً ، لأن أكون أنا صاحبه ، أحب إلى مما عدل به ، أتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال : والله يا رسول الله لا نقول
لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا
قاعدون " ولكننا نقاتل عن يمينك ، وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ،
فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك . رواه
البخاري في التفسير ، والمغازي من طرق عن مخارق به .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا على بن الحسين بن علي ، حدثنا أبو
حاتم الرازي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري : حدثنا حميد عن أنس ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر ، استشار المسلمين فأشار
عليه عمر ، ثم استشارهم فقالت الأنصار : يا معشر الأنصار . . إياكم يريد
رسول الله صلى الله عليه وسلم : قالوا : إذن لا نقول له كما قال بنو
إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " والذي بعثك
بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك .
رواه الإمام أحمد عن عبيدة بن حميد ، عن حميد الطويل ، عن أنس به ، ورواه
النسائي عن محمد بن المثني ، عن خالد بن الحارث ، عن حميد ، عن أنس به
نحوه . وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ، عن عبد الأعلى عن معتمر ،
عن حميد ، عن أنس به نحوه .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى