- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
مولد إسحاق عليه السلام
الإثنين 24 أغسطس 2009, 18:22
قال الله تعالى : " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين " .
وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بها مجتازين
ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ، ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم ، كما سيأتي
بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى .
قال الله تعالى : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام
فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم
خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها
بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي
شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته
عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " .
وقال تعالى : " ونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال
إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشرتموني على
أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال
ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " .
وقال تعالى : " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا
سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم
قال ألا تأكلون * فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم *
فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم * قالوا كذلك قال ربك
إنه هو الحكيم العليم " .
يذكر تعالى : أن الملائكة - قالوا : وكانوا ثلاثة : جبريل وميكائيل
وإسرافيل - لما وردوا على الخليل حسبهم أولا أضيافاً ، فعاملهم معاملة
الضيوف ، وشوى لهم عجلاً سميناً من خيار بقره ، فلما قربه إليهم وعرض
عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية ، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة
الحاجة إلى الطعام فنكرهم إبراهيم : " وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا
أرسلنا إلى قوم لوط " أي لندمر عليهم . فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله
عليهم ، وكانت قائمة على رءوس الأضياف كما جرت به عادة الناس من العرب
وغيرهم ، فلما ضحكت استبشاراً بذلك ، قال الله تعالى : " فبشرناها بإسحاق
ومن وراء إسحاق يعقوب " أي بشرتها الملائكة بذلك : " فأقبلت امرأته في صرة
" أي في صرحة : " فصكت وجهها " أي كما يفعل النساء عند التعجب وقالت : "
يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا " أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة
وعقيم أيضاً ، وهذا بعلي ، أي زوجي ، شيخاً ؟ تعجبت من وجود ولد والحالة
هذه . ولهذا قالت : " إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة
الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " .
وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها
وفرحاً بها : " قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا
بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين " أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه
، فبشروهما " بغلام عليم " وهو إسحاق أخو إسماعيل ، غلام عليم مناسب
لمقامه وصبره ، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر ، وقال في الآية الأخرى
: " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " .
وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو إسماعيل ،
وأن إسحاق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده
يعقوب المشتق من العقب من بعده .
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ ، وهو المشوي رغيفاً من مكة فيه
ثلاثة أكيال وسمن ولبن ، وعندهم أنهم أكلوا ، وهذا غلط محض ، وقيل : كانوا
يرون أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء .
وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم : أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا
ولكن اسمها سارة ، وأبارك عليها وأعطيك منها ابناً ، وأباركه ويكون الشعوب
وملوك الشعوب منه ، فخر إبراهيم على وجهه - يعني ساجداً - وضحك قائلاً في
نفسه ، أبعد مائة سنة يولد لي غلام ، أو سارة تلد وقد أتت عليه تسعون سنة
؟ !
وقال إبراهيم لله تعالى : ليت إسماعيل يعيش قدامك ، فقال الله لإبراهيم :
بحق أن امرأتك سارة تلد لك غلاماً وتدعو اسمه إسحاق إلى مثل هذا لحين من
قابل ، وأوثقه ميثاقى إلى الدهر ولخلفه من بعده ، وقد استجبت لك في
إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته جداً كثيراً ، ويولد له اثنا عشر
عظيماً وأجعله رئيساً لشعب عظيم .
وقد تكلمنا على هذا بما تقدم . . والله أعلم .
فقوله تعالى : " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " دليل على أنها
تستمع بوجود ولدها إسحاق ، ثم من بعده بولد ولده يعقوب . أي يولد في
حياتهما لتقرأ أعينهما به كما قرت بولده ، ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر
يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحاق فائدة ، ولما عين بالذكر
دل على أنهما يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله ، وقال
تعالى : " ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا " وقال تعالى : " فلما
اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب " .
وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن
مهران الأعمش ، عن إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال :
قلت : يا رسول الله . . أي مسجد وضع أول ؟ قال : " المسجد الحرام " قلت :
ثم أي ؟ قال : " المسجد الأقصى " قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة "
قلت : ثم أي ؟ قال : " ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد " .
وعند أهل الكتاب ، أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى ، وهو مسجد إيليا ببيت المقدس شرفه الله .
وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث ، فعلى هذا يكون بناء يعقوب عليه
السلام وهو - إسرائيل - بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام
بأربعين سنة سواء . وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود إسحاق ، لأن إبراهيم
عليه السلام لما دعا ، قال في دعائه كما قال تعالى : " وإذ قال إبراهيم رب
اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرا
من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم * ربنا إني أسكنت
من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل
أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنا إنك
تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء *
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء * رب
اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفر لي ولوالدي
وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " .
وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام ، لما بنى بيت
المقدس سأل الله خلالاً ثلاثاً كما ذكرناه عند قوله : " رب اغفر لي وهب لي
ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " ، - وكما سنورده في قصته - فالمراد من ذلك
والله أعلم ، أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ، ولم يقل
أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواعه .
وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى