- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
ابراهيم الخليل عليه السلام
الإثنين 24 أغسطس 2009, 18:15
هو إبراهيم بن تارخ (250 ) بن ناحور ( 148 ) بن ساروغ (
230 ) بن راغو ( 239 ) ابن فالغ ( 439 ) بن عابر ( 464 ) بن شالح ( 433 )
ابن أرفخشذ ( 438 ) ابن سام ( 600 ) بن نوح عليه السلام .
هذا نص أهل الكتاب في كتابهم ، وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي
كما ذكروه من المدد وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه السلام فأغنى عن
إعادته .
وحكى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه ، عن إسحاق بن
بشر الكاهلي صاحب كتاب المبتدأ أن اسم أم إبراهيم أميلة ثم أورد عنه في
خبر ولادتها له حكاية طويلة وقال الكلبي : اسمها بونا بنت كربتا بن كرثي ،
من بني أرفخشذ بن سام بن نوح .
وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال : كان إبراهيم عليه السلام يكنى أبا الضيفان .
قالوا : ولما كان عمر تارخ خمساً وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام يكنى ، وناحور وهاران ، وولد لهاران لوط .
وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط ، وأن هاران مات في حياة أبيه في
أرضه التي ولد فيها ، وهي أرض الكلدانيين ، يعنون أرض بابل .
وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار ، وصحح ذلك
الحافظ ابن عساكر ، بعد ما روى من طريق هشام بن عمار ، عن الوليد ، عن
سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، عن ابن عباس قال : ولد إبراهيم بغوطة
دمشق ، في قرية يقال لها برزة ، في جبل يقال له قاسيون ثم قال : والصحيح
أنه ولد ببابل ، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً
للوط عليه السلام .
قالوا : فتزوج إبراهيم سارة وناحور ملكا ابنة هاران يعنون ابنة أخيه .
قالوا : وكانت سارة عاقراً لا تلد .
قالوا : وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران ،
فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين ، فنزلوا حران فمات فيها
تارخ وله مائتان وخمسون سنة .
وهذا يدل على أنه لم يولد بحران ، وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها .
ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانعيين ، وهي بلاد بيت المقدس ، فأقاموا بحران
وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان ، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً ،
وكانوا على الكواكب السبعة ، والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين
، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال
والمقال . ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب
منها ، ويعملون لها أعياداً وقرابين .
وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام وكل من كان على وجه الأرض
كانوا كفاراً ، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليه السلام .
وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور ، وأبطل به ذاك
الضلال ، فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره ، وابتعثه رسولاً
واتخذه خليلاً في كبره ، قال الله تعالى : " ولقد آتينا إبراهيم رشده من
قبل وكنا به عالمين " أي أهلاً لذلك .
وقال تعالى : " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين
تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه
واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول
إلا البلاغ المبين * أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على
الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة
الآخرة إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه
تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من
ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي
وأولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه
فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من
دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم
ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين * فآمن له لوط
وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب
وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة
لمن الصالحين " .
ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله تعالى .
* * *
وكان أول دعوته لأبيه ، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام ، لأنه أحق الناس
بإخلاص النصيحة له كما قال تعالى : " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان
صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني
عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا
سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني
أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا * قال أراغب أنت عن آلهتي
يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك
ربي إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن
لا أكون بدعاء ربي شقيا " .
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة ، وكيف دعا أباه
إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة ، بين له بطلان ما هو عليه من عبادة
الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ، ولا تبصر مكانه ، فكيف تغني عنه شيئاً
أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر ؟ ثم قال له منبهاً على ما الله من الهدى
والعلم النافع ، وإن كان أصغر سناً من أبيه : " يا أبت إني قد جاءني من
العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا " أي مستقيماً واضحاً سهلاً
حنيفاً يفضي بك إلى الخير في دالله يهديك وأخراك .
فلما عرض هذا الرشد عليه ، وأهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه ولا
أخذها عنه ، بل تهدده وتوعده قال : " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن
لم تنته لأرجمنك " قيل : بالمقال ، وقيل : بالفعال . " واهجرني مليا " أي
واقطعني وأطل هجراني . فعندها قال له إبراهيم : " سلام عليك " أي لا يصلك
منى مكروه ولا ينالك منى أذى ، بل أنت سالم من ناحيتي ، وزاده خيراً فقال
: " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا " قال ابن عباس وغيره أي لطيفاً ،
يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له . ولهذا قال : " وأعتزلكم وما تدعون
من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " .
وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته ، فلما تبين له أنه
عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى : " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن
موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه
حليم " .
وقال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله : حدثني أخى عبد الحميد ، عن
ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة
، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول له أبوه : فاليوم لا
أعصيك ، فيقول إبراهيم : يارب . . إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي
خزي أخزي من أبي الأبعد ؟ فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم
يقال : يا إبراهيم . . ما تحت رجليك ؟ فينظل فإذا هو بذبح متلطخ . فيؤخذ
بقوائمه فيلقى في النار " . هكذا رواه في قصة إبراهيم منفرداً .
وقال في التفسير : وقال إبراهيم بن طهمان ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه عن أبي هريرة .
وهكذا رواه النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن
طهمان به . وقد رواه البزار عن حديث حماد بن سلمة عن أيوب ، عن محمد بن
سيرين ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي سياقه غرابة ،
ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد عن النبي
صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال تعالى : " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك
وقومك في ضلال مبين " هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر ، وجمهور أهل
النسب ، منهم ابن عباس ، على أن اسم أبيه تارح وأهل الكتاب يقولون تارخ
بالخاء المعجمة ، فقيل : إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر .
وقال ابن جرير : والصواب أن اسمه آزر ولعل له اسمان علمان ، أو أحدهما لقب والآخر علم . وهذا الذي قاله محتمل . . والله أعلم .
230 ) بن راغو ( 239 ) ابن فالغ ( 439 ) بن عابر ( 464 ) بن شالح ( 433 )
ابن أرفخشذ ( 438 ) ابن سام ( 600 ) بن نوح عليه السلام .
هذا نص أهل الكتاب في كتابهم ، وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي
كما ذكروه من المدد وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه السلام فأغنى عن
إعادته .
وحكى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه ، عن إسحاق بن
بشر الكاهلي صاحب كتاب المبتدأ أن اسم أم إبراهيم أميلة ثم أورد عنه في
خبر ولادتها له حكاية طويلة وقال الكلبي : اسمها بونا بنت كربتا بن كرثي ،
من بني أرفخشذ بن سام بن نوح .
وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال : كان إبراهيم عليه السلام يكنى أبا الضيفان .
قالوا : ولما كان عمر تارخ خمساً وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام يكنى ، وناحور وهاران ، وولد لهاران لوط .
وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط ، وأن هاران مات في حياة أبيه في
أرضه التي ولد فيها ، وهي أرض الكلدانيين ، يعنون أرض بابل .
وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار ، وصحح ذلك
الحافظ ابن عساكر ، بعد ما روى من طريق هشام بن عمار ، عن الوليد ، عن
سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، عن ابن عباس قال : ولد إبراهيم بغوطة
دمشق ، في قرية يقال لها برزة ، في جبل يقال له قاسيون ثم قال : والصحيح
أنه ولد ببابل ، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً
للوط عليه السلام .
قالوا : فتزوج إبراهيم سارة وناحور ملكا ابنة هاران يعنون ابنة أخيه .
قالوا : وكانت سارة عاقراً لا تلد .
قالوا : وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران ،
فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين ، فنزلوا حران فمات فيها
تارخ وله مائتان وخمسون سنة .
وهذا يدل على أنه لم يولد بحران ، وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها .
ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانعيين ، وهي بلاد بيت المقدس ، فأقاموا بحران
وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان ، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً ،
وكانوا على الكواكب السبعة ، والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين
، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال
والمقال . ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب
منها ، ويعملون لها أعياداً وقرابين .
وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام وكل من كان على وجه الأرض
كانوا كفاراً ، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليه السلام .
وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور ، وأبطل به ذاك
الضلال ، فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره ، وابتعثه رسولاً
واتخذه خليلاً في كبره ، قال الله تعالى : " ولقد آتينا إبراهيم رشده من
قبل وكنا به عالمين " أي أهلاً لذلك .
وقال تعالى : " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين
تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه
واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول
إلا البلاغ المبين * أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على
الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة
الآخرة إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه
تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من
ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي
وأولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه
فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من
دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم
ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين * فآمن له لوط
وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب
وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة
لمن الصالحين " .
ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله تعالى .
* * *
وكان أول دعوته لأبيه ، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام ، لأنه أحق الناس
بإخلاص النصيحة له كما قال تعالى : " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان
صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني
عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا
سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني
أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا * قال أراغب أنت عن آلهتي
يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك
ربي إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن
لا أكون بدعاء ربي شقيا " .
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة ، وكيف دعا أباه
إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة ، بين له بطلان ما هو عليه من عبادة
الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ، ولا تبصر مكانه ، فكيف تغني عنه شيئاً
أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر ؟ ثم قال له منبهاً على ما الله من الهدى
والعلم النافع ، وإن كان أصغر سناً من أبيه : " يا أبت إني قد جاءني من
العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا " أي مستقيماً واضحاً سهلاً
حنيفاً يفضي بك إلى الخير في دالله يهديك وأخراك .
فلما عرض هذا الرشد عليه ، وأهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه ولا
أخذها عنه ، بل تهدده وتوعده قال : " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن
لم تنته لأرجمنك " قيل : بالمقال ، وقيل : بالفعال . " واهجرني مليا " أي
واقطعني وأطل هجراني . فعندها قال له إبراهيم : " سلام عليك " أي لا يصلك
منى مكروه ولا ينالك منى أذى ، بل أنت سالم من ناحيتي ، وزاده خيراً فقال
: " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا " قال ابن عباس وغيره أي لطيفاً ،
يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له . ولهذا قال : " وأعتزلكم وما تدعون
من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " .
وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته ، فلما تبين له أنه
عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى : " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن
موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه
حليم " .
وقال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله : حدثني أخى عبد الحميد ، عن
ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة
، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول له أبوه : فاليوم لا
أعصيك ، فيقول إبراهيم : يارب . . إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي
خزي أخزي من أبي الأبعد ؟ فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم
يقال : يا إبراهيم . . ما تحت رجليك ؟ فينظل فإذا هو بذبح متلطخ . فيؤخذ
بقوائمه فيلقى في النار " . هكذا رواه في قصة إبراهيم منفرداً .
وقال في التفسير : وقال إبراهيم بن طهمان ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه عن أبي هريرة .
وهكذا رواه النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن
طهمان به . وقد رواه البزار عن حديث حماد بن سلمة عن أيوب ، عن محمد بن
سيرين ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي سياقه غرابة ،
ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد عن النبي
صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال تعالى : " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك
وقومك في ضلال مبين " هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر ، وجمهور أهل
النسب ، منهم ابن عباس ، على أن اسم أبيه تارح وأهل الكتاب يقولون تارخ
بالخاء المعجمة ، فقيل : إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر .
وقال ابن جرير : والصواب أن اسمه آزر ولعل له اسمان علمان ، أو أحدهما لقب والآخر علم . وهذا الذي قاله محتمل . . والله أعلم .
- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
رد: ابراهيم الخليل عليه السلام
الإثنين 24 أغسطس 2009, 18:16
ثم قال تعالى : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من
الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب
الأفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني
ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر
فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * وحاجه قومه قال أتحاجوني في
الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء
علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما
لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين
آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا
آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم " .
وهذا المقام مقام مناظرة لقومه ، وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من
الكواكب النيرة ، لا تصلح للألوهية ، ولا أن تعبد مع الله عز وجل ، لأنها
مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة ، تطلع تارة وتأفل أخرى ، فتغيب عن هذا
العالم ، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية ، بل هو الدائم
الباقي بلا زوال ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .
فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكوكب لذلك ، قيل هو الزهرة ، ثم ترقى منها
إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها ، ثم ترقى إلى الشمس التي هي
أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء ، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة
مربوبة ، كما قال تعالى : " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا
تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " .
ولهذا قال : " فلما رأى الشمس بازغة " أي طالعة " قال هذا ربي هذا أكبر
فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * وحاجه قومه قال أتحاجوني في
الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا " أي لست أبالي
هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله ، فإنها لا تنفع شيئاً ولا تسمع ولا
تعقل ، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها ، أو مصنوعة منحوتة منجورة .
والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران ، فإنهم كانوا يعبدونها .
وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً ، كما
ذكره ابن إسحاق وغيره ، وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها ، ولا
سيما إذا خالفت الحق .
* * *
وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام ، وهم الذين ناظرهم في عبادتهم
وكسرها عليهم ، وأهانها وبين بطلانها ، كما قال تعالى : " وقال إنما
اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة
يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " .
وقال في سورة الأنبياء : " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين
* إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا
آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا
أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي
فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا
مدبرين * فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل
هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم *
قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا
بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون *
فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد
علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا
يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون * قالوا حرقوه
وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على
إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .
وقال في سورة الشعراء : " واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما
تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون *
أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفرأيتم
ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين *
الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين *
والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب
لي حكما وألحقني بالصالحين " .
وقال في سورة الصافات : " وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم *
إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون * أئفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم
برب العالمين * فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين
* فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا
باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما
تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا
فجعلناهم الأسفلين " .
يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام ، أنه أنكر على قومه عبادة
الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها ، فقال : " ما هذه التماثيل التي
أنتم لها عاكفون " ؟ أي معتكفون عندها وخاضعون لها ، قالوا : " وجدنا
آباءنا لها عابدين " أي ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد ، وما
كانوا عليه من عبادة الأنداد .
" قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين " كما قال تعالى : " إذ قال
لأبيه وقومه ماذا تعبدون * أئفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب
العالمين " قال قتادة : فما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم
غيره ؟
وقال لهم : " هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل
وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " سلموا له أنها لا تسمع داعياً ولا تنفع ولا
تضر شيئاً ، وإنما الحامل لهم على عبادتها الإقتداء بأسلافهم ومن هو مثلهم
في الضلال من الآباء الجهال . ولهذا قال لهم : " أفرأيتم ما كنتم تعبدون *
أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " .
وهذا برهان قاطع على بطلان إلهية ما ادعوه من الأصنام ، لأنه تبرأ منها
وتنقص بها فلو كانت تضر لضرته ، أو تؤثر لأثرت فيه . " قالوا أجئتنا بالحق
أم أنت من اللاعبين " ؟ ويقولون : هذا الكلام الذي تقوله لنا وتتنقص به
آلهتنا ، وتطعن بسببه في آبائنا أتقوله محقاً جاداً فيه أم لاعباً ؟
" قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين "
يعني بل أقول لكم ذلك جاداً محقاً ، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ،
ربكم ورب كل شيء ، فاطر السموات والأرض ، الخالق لهما على غير مثال سبق ،
فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، وأنا على ذلكم من الشاهدين .
وقوله : " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم .
قيل : إنه قال : هذا خفية في نفسه . وقال ابن مسعود : سمعه بعضهم .
وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد ، فدعاه أبوه
ليحضره فقال : إني سقيم . كما قال تعالى : " فنظر نظرة في النجوم * فقال
إني سقيم " عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم ونصرة
دين الله الحق ، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر
وأن تهان غاية الإهانة .
فلما خرجوا إلى عيدهم ، واستقر هو في بلدهم " راغ إلى آلهتهم " أي ذهب
إليها مسرعاً مستخفياً ، فوجدها في بهو عظيم ، وقد وضعوا بين أيديها
أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها فقال لها على سبيل التهكم والإزدراء : "
ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين " لأنها أقوى
وأبطش وأسرع وأقهر ، فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى : " فجعلهم جذاذا
" أي حطاماً ، كسرها كلها " إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون " قيل إنه
وضع القدوم في يد الكبير ، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار !
فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم : " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " .
وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون ، وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا
يعبدونها ، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من
جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخيالهم : " من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن
الظالمين " .
" قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " أي يذكرها بالعيب والتنقص لها
والإزدراء بها ، فهو المقيم عليها والكاسر لها وعلى قول ابن مسعود ، أي
يذكرها بقوله : " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " .
" قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون " أي في الملأ الأكبر على
رءوس الأشهاد ، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه ، ويعاينون ما يحل به
من الإقتصاص منه .
وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم ، فيقيم على
جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه ، كما قال موسى عليه السلام
لفرعون : " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " .
* * *
- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
رد: ابراهيم الخليل عليه السلام
الإثنين 24 أغسطس 2009, 18:16
فلما اجتمعوا وجاءوا به كما ذكروا : "
قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا " قيل
معناه : هو الحامل لي على تكسيرهم ، وإنما عرض لهم في القول " فاسألوهم إن
كانوا ينطقون " .
وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق ، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات .
" فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون " أي فعادوا على أنفسهم
بالملامة ، فقالوا : إنكم أنتم الظالمون . أي في تركها لها ولا حارس عندها
.
" ثم نكسوا على رؤوسهم " قال السدي : أي ثم رجعوا إلى الفتنة ، فعلى هذا يكون قوله : " إنكم أنتم الظالمون " أي في عبادتها .
وقال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء ، أي فأطرقوا ثم قالوا : " لقد علمت ما
هؤلاء ينطقون " أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق ، فكيف تأمرنا
بسؤالها ؟ !
فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام : " أفتعبدون من دون الله ما لا
ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " .
كما قال : " فأقبلوا إليه يزفون " قال مجاهد : يسرعون . قال " أتعبدون ما
تنحتون " أي كيف تعبدون أصناماً أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة ،
وتصورونها وتشكلونها كما تريدون " والله خلقكم وما تعملون " .
وسواء أكانت : ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضي الكلام أنكم مخلوقون ، وهذه
الأصنام مخلوقة ، فكيف يتعبد مخلوق لمخلوق مثله ؟ فإنه ليس عبادتكم لها
بأولى من عبادتها لكم ، وهذا باطل ، فالآخر باطل للتحكم ، إذ ليست العبادة
تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له .
* * *
" قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين " .
عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا ةغلبوا ، ولم تبق لهم الحجة ولا
شبهة إلى استعمالقوتهم وسلطانهم ، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم ،
فكادهم الرب جل جلاله ، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى : "
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا
وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .
وذلك أنهم شرعوا يجمعوه خطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة
يجمعون له ، حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن
حطباً لحريق إبراهيم ، ثم عمدوا إلى حوية عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب
وأطلقوا فيه النار ، فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط .
ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد
يقالله هيزن وكان أول من صنع المجانيق ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل
فيها إلى يوم القيامة .
ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك ، لا شريك لك .
فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً ثم ألقوه منه
إلى النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، كما روى البخاري عن ابن عباس
أنه قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، قالها إبراهيم حين ألقي في النار ،
وقالها محمد حين قيل له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا
وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم
سوء " الآية .
وقال أبو يعلى : حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا إسحاق ابن سلمان ، عن أبي
جعفر الرازي ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال :
قال صلى الله عليه وسلم : " لما ألقى إبراهيم في النار قال : اللهم إنك في
السماء واحد ، وأنا في الأرض أعبدك " !
وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا !
ويروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنه قال : جعل ملك المطر يقول : متى أومر فأرسل المطر ؟ فكان أمر الله أسرع .
" قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قال علي بن أبي طالب : أي
لا تضر به . وقال ابن عباس وأبو العالية : لولا أن الله قال : " وسلاما
على إبراهيم " لآذى إبراهيم بردها .
وقال كعب الأحبار : لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار ، ولم تحرق منه سوى وثاقه .
وقال الضحاك : يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لم يصبه منها شيء غيره .
وقال السدي : كان معه أيضاً ملك الظل ، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل
الحوية حوله نار وهو في روضة خضراء ، والناس ينظرون إليه لايقدرون على
الوصول ، ولا هو يخرج إليهم .
فعن أبي هريرة أنه قال : أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم : إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال : نعم الرب يا إبراهيم !
وروى ابن عساكر عن عكرمة أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته
: يا بني . . إني أريد أن أجيء إليك فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك
، فقال نعم . فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار ، فلما وصلت إليه
اعتنقته وقبلته ثم عادت .
وعن المنهال بن عمرو أنه قال : أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما
خمسين يوماً ، وأنه قال : ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها ،
وودت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها . صلوات الله وسلامه عليه .
فأرادوا أن ينتصروا فخذلوا ، وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا ، وأرادوا أن
يغلبوا فغلبوا . قال الله تعالى : " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين "
وفي الآية أخرى : " الأسفلين " ففازوا بالخسارة والسفال هذا في الدنيا ،
وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم برداً ولا سلاماً ، ولا يلقون
فيها تحية ولا سلاماً ، بل هي كما قال تعالى : " إنها ساءت مستقرا ومقاما
" .
قال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، أو ابن سلام عنه ، أنبأنا ابن
جريج ، عن عبد الحميد بن جبير ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم شريك ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ ، وقال : " كان ينفخ على إبراهيم
" .
ورواه مسلم من حديث ابن جريج ، وأخرجه النسائي و ابن ماجه من حديث سفيان
بن عيينة ، كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عنه .
وقال أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي أمية ، أن نافعاً مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن
رسول الله صلى الله عليه السلام قال :" اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ النار
على إبراهيم " قال : فكانت عائشة تقتلهن .
وقال أحمد : حدثنا إسماعيل : حدثنا أيوب عن نافع ، أن امرأة دخلت على
عائشة فإذا رمح منصوب فقالت : ما هذا الرمح ؟ فقالت : نقتل به الأوزاغ :
ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن إبراهيم لما ألقى في
النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ ، فإنه جعل ينفخها عليه " .
تفرد به أحمد من هذين الوجهين .
وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جرير ، حدثنا نافع ، حدثتني سمامة مولاة
الفاكه بن المغيرة ، قالت : دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحاً موضوعاً
، فقلت : يا أم المؤمنين . . ما تصنعين بهذا الرمح ؟ قالت : هذا لهذه
الأوزاغ نقتلهن به ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : " أن
إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة ألا تطفى عنه النار ، غير
الوزغ كان ينفخ عليه ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله " .
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن شيبة عن يونس بن محمد عن جرير بن حازم به
قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا " قيل
معناه : هو الحامل لي على تكسيرهم ، وإنما عرض لهم في القول " فاسألوهم إن
كانوا ينطقون " .
وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق ، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات .
" فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون " أي فعادوا على أنفسهم
بالملامة ، فقالوا : إنكم أنتم الظالمون . أي في تركها لها ولا حارس عندها
.
" ثم نكسوا على رؤوسهم " قال السدي : أي ثم رجعوا إلى الفتنة ، فعلى هذا يكون قوله : " إنكم أنتم الظالمون " أي في عبادتها .
وقال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء ، أي فأطرقوا ثم قالوا : " لقد علمت ما
هؤلاء ينطقون " أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق ، فكيف تأمرنا
بسؤالها ؟ !
فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام : " أفتعبدون من دون الله ما لا
ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " .
كما قال : " فأقبلوا إليه يزفون " قال مجاهد : يسرعون . قال " أتعبدون ما
تنحتون " أي كيف تعبدون أصناماً أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة ،
وتصورونها وتشكلونها كما تريدون " والله خلقكم وما تعملون " .
وسواء أكانت : ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضي الكلام أنكم مخلوقون ، وهذه
الأصنام مخلوقة ، فكيف يتعبد مخلوق لمخلوق مثله ؟ فإنه ليس عبادتكم لها
بأولى من عبادتها لكم ، وهذا باطل ، فالآخر باطل للتحكم ، إذ ليست العبادة
تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له .
* * *
" قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين " .
عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا ةغلبوا ، ولم تبق لهم الحجة ولا
شبهة إلى استعمالقوتهم وسلطانهم ، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم ،
فكادهم الرب جل جلاله ، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى : "
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا
وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " .
وذلك أنهم شرعوا يجمعوه خطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة
يجمعون له ، حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن
حطباً لحريق إبراهيم ، ثم عمدوا إلى حوية عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب
وأطلقوا فيه النار ، فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط .
ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد
يقالله هيزن وكان أول من صنع المجانيق ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل
فيها إلى يوم القيامة .
ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك ، لا شريك لك .
فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً ثم ألقوه منه
إلى النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، كما روى البخاري عن ابن عباس
أنه قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، قالها إبراهيم حين ألقي في النار ،
وقالها محمد حين قيل له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا
وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم
سوء " الآية .
وقال أبو يعلى : حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا إسحاق ابن سلمان ، عن أبي
جعفر الرازي ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال :
قال صلى الله عليه وسلم : " لما ألقى إبراهيم في النار قال : اللهم إنك في
السماء واحد ، وأنا في الأرض أعبدك " !
وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا !
ويروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنه قال : جعل ملك المطر يقول : متى أومر فأرسل المطر ؟ فكان أمر الله أسرع .
" قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قال علي بن أبي طالب : أي
لا تضر به . وقال ابن عباس وأبو العالية : لولا أن الله قال : " وسلاما
على إبراهيم " لآذى إبراهيم بردها .
وقال كعب الأحبار : لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار ، ولم تحرق منه سوى وثاقه .
وقال الضحاك : يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لم يصبه منها شيء غيره .
وقال السدي : كان معه أيضاً ملك الظل ، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل
الحوية حوله نار وهو في روضة خضراء ، والناس ينظرون إليه لايقدرون على
الوصول ، ولا هو يخرج إليهم .
فعن أبي هريرة أنه قال : أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم : إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال : نعم الرب يا إبراهيم !
وروى ابن عساكر عن عكرمة أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته
: يا بني . . إني أريد أن أجيء إليك فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك
، فقال نعم . فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار ، فلما وصلت إليه
اعتنقته وقبلته ثم عادت .
وعن المنهال بن عمرو أنه قال : أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما
خمسين يوماً ، وأنه قال : ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها ،
وودت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها . صلوات الله وسلامه عليه .
فأرادوا أن ينتصروا فخذلوا ، وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا ، وأرادوا أن
يغلبوا فغلبوا . قال الله تعالى : " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين "
وفي الآية أخرى : " الأسفلين " ففازوا بالخسارة والسفال هذا في الدنيا ،
وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم برداً ولا سلاماً ، ولا يلقون
فيها تحية ولا سلاماً ، بل هي كما قال تعالى : " إنها ساءت مستقرا ومقاما
" .
قال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، أو ابن سلام عنه ، أنبأنا ابن
جريج ، عن عبد الحميد بن جبير ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم شريك ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ ، وقال : " كان ينفخ على إبراهيم
" .
ورواه مسلم من حديث ابن جريج ، وأخرجه النسائي و ابن ماجه من حديث سفيان
بن عيينة ، كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عنه .
وقال أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي أمية ، أن نافعاً مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن
رسول الله صلى الله عليه السلام قال :" اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ النار
على إبراهيم " قال : فكانت عائشة تقتلهن .
وقال أحمد : حدثنا إسماعيل : حدثنا أيوب عن نافع ، أن امرأة دخلت على
عائشة فإذا رمح منصوب فقالت : ما هذا الرمح ؟ فقالت : نقتل به الأوزاغ :
ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن إبراهيم لما ألقى في
النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ ، فإنه جعل ينفخها عليه " .
تفرد به أحمد من هذين الوجهين .
وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جرير ، حدثنا نافع ، حدثتني سمامة مولاة
الفاكه بن المغيرة ، قالت : دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحاً موضوعاً
، فقلت : يا أم المؤمنين . . ما تصنعين بهذا الرمح ؟ قالت : هذا لهذه
الأوزاغ نقتلهن به ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : " أن
إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة ألا تطفى عنه النار ، غير
الوزغ كان ينفخ عليه ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله " .
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن شيبة عن يونس بن محمد عن جرير بن حازم به
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى